العنوان : خطبة استسقاء ثانية لعام 1443هـ
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، و سبقت رحمته غضبه، والحمد لله الذي يغفر الذنب ويقبل التوبة ويعفو عن سيئات عباده، والحمد لله ال{..الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر عباده بصدق التوبة وصحة الإنابة، وكثرة الاستغفار ووعدهم إن فعلوا ذلك بغفران ذنوبهم وتكفير سيئاتهم وإمدادهم بالأموال والأولاد وطرح البركة في الأرزاق.
وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله خيرُ من استسْقَى فسُقِيْ، وخيرُ مَن سَأَل فأُعطي. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنّ حبس الامطار، وتأخيرَ نزولها عن وقتها، من صور الابتلاء والامتحان لما فيه من حصول المشقة على العباد في أنفسهم وأموالهم، ودوابهم وزروعهم، يمتحن الله به عباده في صدق إيمانهم بالله، وصبرهم على أقداره ، وقد يكون الجدب والقحط بسبب الذنوب والمعاصي فإنه من جملة المصائب التي قال الله فيها {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وقال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. فإذا تمادى الناس في الغي، وتأخروا عن التوبة فإن الله قد يرسل عليهم الجدب والقحط تنبيهاً وتذكيراً، وترهيباً وتخويفاً قال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} قَالَ قَتَادَةُ: “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ النَّاسَ بِمَا شَاءَ مِنْ آيَاتِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”
وهذا التخويف والتذكير هو من رحمة الله تعالى ليستيقظ الناس من الغفلات، ويفيقوا من السكرات، ويقلعوا عن المعاصي والمنكرات، فينالوا بذلك خيرَ الدنيا والآخرة.
فتوبوا إلى الله تعالى واستغفروه، وأنيبوا إليه واستَعتِبوه، فَقمِنٌ بالقوم إذا ندموا وتابوا، ورجعوا إلى ربهم وأنابوا، أن يُقيلَ اللهُ عثراتِهم، ويمحوَ زلاتِهم، ويرفعَ عنهم البأساءَ والضراء، كما قال تعالى {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} وقال تعالى{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}
فلنستغفر الله عباد الله ولنتب إلى الله ولنبتهل إليه رافعين أكف الضراعة أن يقبل توبتنا ويغفر حوبتنا ويرحم ضعفنا ويجبر كسرنا ويرفع بأسنا ويغيث بلادنا ودوابنا وينبت مراعينا ويفتح لنا من بركات السماء والأرض فربنا رؤوف رحيم، حليم كريم.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالغيث يا رب العالمين.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفَّاراً، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أغثنا غيثاً مُغيثاً هنيئاً مَريئاً مَريعاً سحًّا غدقاً طبقا عاماً واسعاً مُجَلِّلا، نافعاً غير ضار، عاجلا غير آجل، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاءٍ ولا هدم ولا غرق. اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت. اللهم أغثنا غيثاً مباركا، تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد. اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته عوناً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين. اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض. اللهم لا تهلكنا بالسنين ولا تجعلنا من رحمتك آيسين. برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وهيئ لهم البطانة الصالحة، يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم هذا الدعاء، ومنك الإجابة، وهذا الجهد، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ () وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ () وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}