العنوان : فضل الصدقة والتنويه بمنصة إحسان خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا الله ربكم أيها المسلمون، وأحسنوا إلى الفقراء والمساكين، فـ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}
عباد الله:
إن الله اقتضتْ حكمتُه في خلقه أن يجعلَ فيهم الغنيَّ والفقير، والـمُوْسِرَ والـمُعْسِر، لِيمتازَ الفقيرُ الصابرُ من الفقيرِ الساخِط، ويمتازَ الغنيُّ الشاكرُ من الغنيِّ الكافر، قال تعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}
وقد أدّبَ اللهُ تعالى الفقراءَ والأغنياءَ بأحسنِ الآدابِ وأعظمِها وأجلِّها، فحثّ الفقيرَ على التعففِ عن المسألة، ورغّبهُ في العملِ النافعِ المثمر؛ ليصونَ وجَهَه، ويُكرِم نفسَه، ويأكلَ مِن كسبِ يدِه. قال ﷺ : “لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ ثم يأتي الجبل، فيأتيَ بحزمةٍ من حَطَبٍ على ظهرِه، فيبيعَها، فيكفَّ اللهُ بها وجهَهُ- وفي رواية: فيستعينَ بثمنِها- خيرٌ له مِن أن يَسألَ الناسَ، أَعْطَوْهُ أَو منَعُوه”.
وأدّبَ الله الأغنياء وأهلَ الكَفَافِ بآدابٍ ساميةٍ تُجاهَ الفقراءِ والمساكينَ، تَتمثّلُ في الشعورِ بفقرِهم وآلامِهم، ومحبتِهم ورحمتِهم، والاهتمامِ بشؤونِهمْ، كما أوجب اللهُ لهم على أهلِ الأموالِ زكاةَ في أموالِهم. وحثَّ أهلَ الأموالِ أيضاً على بذلِ الصدقاتِ التطوعية، بلْ رغّبَ اللهُ كلَّ مُسلمٍ ومُسلمةٍ ولو كانوا مُقِلّينَ غيرَ مُوسِرينَ أن يتصدّقوا ولو بالقليلِ من أموالِهمْ، والـمَيسورِ من طعامِهم أو شرابِهم. قال تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} وقال ﷺ «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» رواه مسلم، أي لا تحقِر شيئاً من الصدقة والهدية ولو بِظِلْفِ شاة.
ومن الآدابِ الشرعيةِ في الإحسانِ إلى الفقراءِ والمساكين، أن تُبْذَلَ الصدقاتُ لهم سِرّاً لحفظِ ماءِ وجوهِهم، وأن يُعْطَوا مِن خيرِ المالِ وأَحَبّهِ إلى صاحبه، وأن لا يُبطلوا صدقاتِهم بالمنّ والأذى، ولا بالرياء.
إخوة الإيمان:
إنّ المالَ عَدِيلُ الروح، والنفوسَ به شَحيحةٌ، وعليه حريصةٌ، لذلك كان إنفاقُه ولا سيما في الخير من أشدِّ الأمورِ على كثيرٍ من النفوس، حتى إن المسلم إذا أراد أن يتصدقَ اجتمع على ماله سبعون شيطاناً عاضّين عليه؛ ليصدّوهُ عن الصدقة فلا يَظْفَرُ بما وَعَدَ اللهُ به المتصدقين، قال ﷺ : “ما يُخْرِجُ رَجُلٌ شيئاً من الصدقة حتى يَفُكَّ عنها لَحْيَيْ سبعينَ شيطاناً” رواه أحمد.
وإنّ مما يعينُ على المسلم على البذلِ والعطاءِ أن يتذكرَ ما وعدَ اللهُ به المتصدقينَ على الفقراءِ والمساكينَ من مضاعفة الحسناتِ، وتكفيرِ السيئاتِ، وطَرْحِ البركةِ في المال، وإخلافهِ بأكثرَ منه، وتطهيرِ النفسِ من الشُّحِّ والبُخلِ، والظَّفَرِ بمحبةِ الله تعالى، وبمعيتِه الخاصةِ، والاستظلالِ بها يومَ القيامةِ حين تدنو الشمسُ من الرؤوسِ مقدارَ مِيْلٍ، في يومٍ كان مقدارُهُ خمسينَ ألفَ سنة.
قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وقال تعالى {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فأنفق يا عبدَ اللهِ وأَبشر، فما ظنُّكَ بالخَلَفِ الذي يأتيك من خيرِ الرازقينَ سبحانَه وتعالى. أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم مِن كلِّ ذنب، فاستغفروه إنه الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وتفقدوا الفقراءَ والمساكينَ، واليتامى والـمُعسِرين، موجّهين عنايةً خاصةً بالأقاربِ والأرحامِ والجيرانِ فحقُّهم آكدُ من غيرِهم.
إخوة الإيمان:
إن كثيراً من الناس قد يصدُّه عن الصدقة جَهلُهُ بالمحتاجين، وعدمُ ثقتهِ في السائلين؛ لكثرة النصابين فيهم والمحتالين، وقد حُلّت هذه المعضلة _والحمد لله_ بإنشاءِ الدولةِ _وفقها الله_ مَنَصّةَ إحسان، وهي منصةٌ حكوميةٌ مضمونةٌ تُوْصِلُ مالَكَ إلى الفئاتِ المستحقِّة، فادخلوا المنصةَ وخُصُّوا بمزيدِ اهتمامِكم وعنايتِكمْ مَنْ صَدَرتْ عليهم أحكامٌ تنفيذيةٌ قذفتْ بهم خلْفَ القضبانِ، وأَوقفتْ خدماتهم، فما أعظمَ كُربَتَهم وما أشدَّ بَلْوَاهُم، وهنيئاً لمن خَفّفَّ أو فرّجَ عنهم مخلصاً لله قال ﷺ «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ” رواه مسلم.
اللهم فرّج همَّ المهمومين، واقض الدَّينَ عن المـَدينين، ونفّسِ الكَرْبَ عن المكروبين، وتقبّلْ من المحسنين صدقاتِهم، واخلُفْها عليهم في الدنيا والآخرة يا أكرمَ الأَكرمين.
اللهم احفظ إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين، ووليَّ عهدِه الأَمينَ بحفظك، واكْلَأْهُمْ برعايِتك، ووفقهم لما فيه رضاك يا رب العالمين، اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.