العنوان : خطبة استسقاء 1443هـ
الحمد لله {..الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}
والحمد لله{..الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ () وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ () فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل التوبةَ والاستغفار، من أسبابِ نزولِ الغيث المدرار، والإِنعام بالجناتِ والأنهار، وزيادةِ الصحة والقوةِ والأموالِ والأولاد، وهو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله خيرُ من استسْقَى فسُقِيْ، وخيرُ مَن سَأَل فأُعطي. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنّ حبس الامطار، وتأخيرَ نزولها عن وقتها، هو من آيات الله الدالة على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته في خلقه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
عباد الله:
إن حبس الأمطار وتأخرها عن أوقات نزولها مصيبةٌ وابتلاء، ينشأ عنها هلاكُ النبات، وموتُ الحيوان، وغلاء الأسعار، وغَوْرُ الآبار، وشُحوبُ الأرض، وإن المصائب لا تقع في الأرض ولا في الأنفس إلا بسبب الذنوب والمعاصي والآثام كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وقال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
فتوبوا إلى الله تعالى واستغفروه، وأنيبوا إليه واستَعتِبوه، فإنّ التوبةَ النصوح، والاستغفارَ الصادق دليلٌ على استشعار العبد قبحَ ذنبهِ ومعصيتِه، ودليلٌ على خوفه من ربه ومقته، وعلى رجائه في عفوه ورحمته، وقَمِنٌ بالقوم إذا ندموا وتابوا، ورجعوا إلى ربهم وأنابوا، أن يُقيلَ اللهُ عثراتِهم، ويمحوَ زلاتِهم، ويرفعَ عنهم البأساءَ والضراء، ويتفضلَ عليهم بالنعماءِ والسَّرّاء. فيرسلَ الرياحَ بُشرى إليهم، وبعد الجدب والشدة ينزل الغيث المدرار عليهم، كما قال تعالى {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} وقال تعالى{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}
فلنستغفر الله عباد الله ولنتب إلى الله ولنبتهل إليه رافعين أكف الضراعة أن يقبل توبتنا ويغفر حوبتنا ويرحم ضعفنا ويجبر كسرنا ويرفع بأسنا ويغيث بلادنا ودوابنا وينبت مراعينا ويفتح لنا من بركات السماء والأرض فربنا رؤوف رحيم حليم كريم.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالغيث يا رب العالمين.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفَّاراً، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أغثنا غيثاً مُغيثاً هنيئاً مَريئاً مَريعاً سحًّا غدقاً طبقا عاماً واسعاً مُجَلِّلا، نافعاً غير ضار، عاجلا غير آجل، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاءٍ ولا هدم ولا غرق. اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت. اللهم أغثنا غيثاً مباركا، تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد. اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته عوناً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين. اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض. اللهم لا تهلكنا بالسنين ولا تجعلنا من رحمتك آيسين. برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وهيئ لهم البطانة الصالحة، يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم هذا الدعاء، ومنك الإجابة، وهذا الجهد، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (سُبْحَـٰنَ رَبّكَ رَبّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ).