العنوان : فضل المشي إلى المساجد خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا “أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى”
إخوة الإيمان:
إن سعيَ العبد إلى ربه يكون بقلبه وبلسانه وبجوارحه فمِن سعيِ القلب إيمانُه بربه وخشيتُه منه ومحبته له ورجاؤه فيه وغير ذلك من أعمال القلوب.
ومن سَعيِ اللسان إلى الله تحركه بذكره جلّ وعلا وتلاوةِ كتابه وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإفشاء السلام وقوله الخير.
ومن سعي الجوارحِ إلى الله جميعُ العبادات البدنية. وسنقتصر في هذا المقام على عمل واحد هو من أكثرها ثواباً وأعظمها أجراً ألا وهو المشي إلى المساجد، لإقام الصلاة، وذكر الله، وطلب العلم الشرعي لوجه الله. نعم عباد الله إن الماشي إلي المسجد هو في خير ممشى ، لأنه بين خُطوتين، خُطوة تَكتبُ له حسنةً وترفعه درجة، وخُطوةٌ تُكفِّرُ عنه ذنباً وتمحو عنه سيئة، وذلك له في ذَهابه وإِيابه والحمدُ لله، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ : “مَنْ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ فَخُطْوَتَاهُ خُطْوَةٌ تَمْحُو سَيِّئَةً وَخَطْوَةٌ تَكْتُبُ حَسَنَةً ذَاهِبًا وَرَاجِعًا” رواه ابن حبان، والمعنى أن الله هو الذي يَكتب له الحسنة، ويمحو عنه السيئة، وأَمّا الخُطواتُ فهيَ سببُ كتابةِ الحسناتِ وتكفيرِ السيئات.
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ _أي لا تفوته صلاة_ ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ، وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ» رواه مسلم. وليس هذا خاصاً به بل هو له وللأمة كلها.
عباد الله: إنّ الماشي إلى المسجدِ بمنزلةِ الضيفِ على الله، والزائرِ له، وحقُّ الزائرِ أن يُكرَمَ قال ﷺ «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ» مُتّفَقٌ عليه، والنُّزُلُ هو ما يُقَدَّمُ للضيفِ عند أولِ نزولهِ بأهلِ الدار. وقال ﷺ: ” من توضأ في بيته فأَحسنَ الوضوءَ ثم أتى المسجدَ فهو زائرُ اللهِ وحقٌّ على المزورِ أن يُكرِمَ الزائر” رواه الطبراني. فَلْيُبْشِرْ قاصدُ المسجدِ لعبادةِ اللهِ بكرامةِ أكرمِ الأكرمين.
والماشي إلى المسجدِ في ظلامِ الليلِ كالعشاءِ والفجرِ يُثيبهُ اللهُ تعالى بالنُّور التّامِّ يومَ القيامة؛ فإنّ الجزاءَ في الآخرةِ مِن جِنسِ العملِ الذي كان في الدنيا، ومُناسِبٌ له، قال ﷺ: “بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ” رواه الترمذي.
عباد الله: إنّ آثار قَدَمَيْ المسلمِ في مَمشاهُ إلى المساجدِ من صالحِ عملهِ الذي سيُكتب له، كما في قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} قال مُجَاهِدٍ: {مَا قَدَّمُوا} : أَعْمَالُهُمْ. {وَآثَارَهُمْ} قَالَ: خُطَاهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ. وقَالَ قَتَادَةُ: لَوْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُغفلا شَيْئًا من شأنك يا بن آدَمَ، أَغْفَلَ مَا تُعْفِي الرِّيَاحُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ، وَلَكِنْ أَحْصَى عَلَى ابْنِ آدَمَ أَثَرَهُ وَعَمَلَهُ كُلَّهُ، حَتَّى أَحْصَى هَذَا الْأَثَرَ فِيمَا هُوَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكْتُبَ أَثَرَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، فَلْيَفْعَلْ”.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ»، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ» رواه مسلم.
ولما كان أجرُ المشيِ إلى المسجدِ على عدد الخُطُوات كان الأبعدُ منه أكثرَ أجراً من الأقرب لكثرة خطواته إليه قال ﷺ “إنّ أعظَمَ الناسِ أجراً في الصلاةِ أبعدُهم إليها مَمْشىً فأبعدُهم” متفق عليه. وللحرص على كثرة الخُطَى إلى المسجد كان بعضُ الصحابةِ إذا مشى إلى المسجدِ قاربَ بين خُطاه لتكثر عدد حسناته ويكثر ما يُمحى من سيئاته منهم أنس وزيد بن ثابت، قال حَمـَّادُ بنُ سَلَمة: “مشيتُ مع أنسِ بنِ مالك إلى الصلاة وقد أُقيمتْ الصلاة، وكان يُقارِبُ بين الخُطَا، فقال لي: أتدرى لِمَ أفعل هذا؟ فقلت: لم تفعله؟ قال: كذا فعل بي زيد بن ثابت، ليكون أكثرَ لِخَطْوِنَا” رواه العقيلي.
فَليحرصِ المسلمُ ما استطاعَ أن يتطهرَ في بيته وأن يخرجَ للمسجد ماشياً، ويرجعَ منه ماشياً، وأن يمشيَ وعليه السكينةُ وأن يقارِبَ في خَطوه ليكون أعظمَ لثوابه، وأرفعَ لدرجاتِه، وأكثرَ في تكفيرِ سيئاتِه. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله، وكونوا من عُمّارِ بيوتِ الله، الذين قال الله فيهم:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. واحرصوا على حضور ما يقام فيها من مجالس العلم والذكر وتلاوة القرآن. فإنها خيرُ ما مشتْ إليه الأقدام، وأُتعبت فيه الأجسام.، وبُذِلتْ فيه نفائسُ الأيام. اللهم اجعلنا ممن لا تلهيه تجارةٌ ولا وَلدٌ عن ذكرك وعمارة بيوتك، فجزيتَهم أحسن أعمالهم، وتجاوزتَ عن سيئاتهم، ورفعتَ درجاتِهم، وزدتهم من فضلك، ورزقتهم بغيرِ حساب. فأنت أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين وألف بين قلوب المسلمين، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين. اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، اللهم وفقهم إلى ما تحب وترضى يا رب العالمين، اللهم أعز بهم دينك وانصر بهم سنة نبيك ﷺ يا حي يا قيوم، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وأعنهم على أمور دينهم ودنياهم يا سميع الدعاء، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
جزاك الله خير وبارك فيك وجعل كتابك في عليين
جزاك الله خير شيخ علي