جديد الإعلانات :

العنوان : مراقبةُ الله تعالى، والتذكيرُ بالشهودِ على أعمال العباد يوم القيامة (خطبة مكتوبة)

عدد الزيارات : 6714

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وراقبوه في أقوالِكم وأعمالِكم، وسرِّكم وعلانيِتِكم، وجاهدوا أَنفُسَكم عن الوقوعِ فيما حرّمَ اللهُ عليكم، وإنّ مما يعينُ العبدَ على مراقبةِ الله في كل أحوالِه أن يستحضرَ أَنّ اللهَ قد أحاطَ به علماً، فمهما استخفى عن الأنظار، وأَقفلَ الأبواب، وأَحَكَمَ الأَسباب، فلن يَغيبَ لحظةً واحدة ًعن ربِّ الأرباب، قال تعالى {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}.

ثم ليتذكّرْ كلُّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ما أعدّهُ الله من الشهود التي ستشهدُ على كلِّ عاملٍ بما عمِلَ يومَ القيامة، _لِيُظهرَ اللهُ في عبادِه كمالَ عدلِه_ فَمِن تلكَ الشهودِ على الأعمال:

كتابُ صحائفِ الأعمال، فإنّ الله قد وكّلَ بنا من يُحصي علينا أعمالَنا قال تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وقال تعالى {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}

وقال تعالى {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } قال الحسنُ البصري: ”  يَا ابْنَ آدَمَ، بُسِطْتْ لَكَ صَحِيفَتُكَ وَوُكِلَ بِكَ مَلَكَانِ كَرِيمَانِ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِكَ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ، وَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَسَارِكَ فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ، فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ، أَقْلِلْ أَوْ أَكْثِرْ، حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ فَجُعِلَتْ فِي عُنُقِكَ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ، حَتَّى تَخْرُجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا تَلْقَاهُ مَنْشُورًا {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} قَدْ عَدَلَ -وَاللَّهِ  -عَلَيْكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ” قال ابن كثير: “هَذَا مِنْ حَسَنِ كَلَامِ الْحَسَنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ” اهـ .

يا عبد الله: إنّكَ واجِدٌ في هذا الكتاب كلَّ ما قَدّمتَ حتى مثقالَ الذّرةِ مِن الخيرِ ومثقالَ الذّرةِ مِن الشَّر، قال تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وقال تعالى {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

فَلْنَمْلأْ صحائِفَنا بما تَسُرُّنا رؤيتُه يومَ القيامة، وحتى نأخُذَها بأيمانِنا، ونَقرأَها مستبشرين مُبَشِّرين، أسأل الله لي ولكم ولوالدينا من فضله العظيم.

أما من سوّدَ كتابَه بالشركِ والبدعِ والذنوبِ وأخذَ كتابَه بشماله من وراء ظهره، فلا تَسَلْ عن حالهِ من الحسرةِ والندامة، والخزيِ والهوانِ يومَ القيامة، أعاذني اللهُ وإياكم ووالدِينا، قال تعالى (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ) _أي قراءةَ سرورٍ وبهجةٍ، على ما يرون فيها مما يُفْرِحُهُم ويَسُرُّهمْ_ (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أي مما عملوه من الحسنات.

وقال تعالى {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}

وقال تعالى: ” فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا}

اللهم أَصلحْ أعمالَنا وأقوالَنا، وسرائرَنا وعلانِيتَنا، وارزقنا خشيتكَ في الغيبِ والشهادة يا ربَّ العالمين. أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.

 الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الحَوَاسَّ والجلودَ والأعظاءَ هي أيضاً من الشُّهودِ يومَ القيامة على أعمالِ العباد، قال تعالى {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}.

وقال تعالى {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}  وقال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}

وتذكروا أيضاً _إخوة الإيمان_ أن من الشهود على أعمال العباد هذه الأرض التي نحيا عليها، فإن لها يوماً تتحدث فيه بأخبار ما عمل الناس عليها. فهل يسرُّ أحداً منا أن تتحدث الأرض يومَ القيامة بمعاصيه وسيئاته؟ قال تعالى {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.

إخوة الإسلام:

إنّ الله تعالى إنما أخبرَنا عن علمِهِ بنا، وكتابتهِ أعمالَنا، وشهادةِ أعظائِنا علينا، وتحديثِ الأرضِ يومَ القيامة بأخبارِنا، من أجلِ أنْ نوحدّهُ في العبادة، وأن نخشاهُ في الغيبِ والشهادة، وأنْ نراقبَه في جميع الأحوال، والسعيدُ حقّاً من تدبّرَ القرآنَ فوعظَهْ، واسْتمعَ الذكرَ فاتّبعَ أحسنَه، جعلني الله وإياكم من السعداء. إنه سميع الدعاء.

معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *