العنوان : الحث على الصدقات، وعلى التبرع عن طريق المنصات الحكومية خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المؤمنين، واستكثروا من الصالحات ليوم الدين، وكونوا في مواسم الطاعة من الرابحين، فالكفُّ عن المعاصي والقيامُ بالطاعات، هي أعظمُ تجارة، لأنها تجارةٌ مع أكرمِ الأكرمين، يفوز العبدُ فيها بالنعيم المقيم، والنجاةِ من العذابِ الأليم، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وقال تعالى “{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }
ومن خيرِ الأعمالِ الصالحةِ التي يقدمها المسلمُ لنفسه في هذا الموسمِ العظيم، والشهرِ الكريم، شهرِ رمضان، الجودُ والإحسانُ وبذلُ المعروفِ، فقد كان النبيُّ ﷺ أجودَ الناسِ في كل أوقاتِه ولكنّه كان يُضاعفُ جودَه في رمضان صلوات الله وسلامه عليه قال ابن عباس: «كان رسول الله ﷺ أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيدارسُه القرآن، فَلَرسولُ اللهِ ﷺ أجودُ بالخيرِ من الريحِ المرسَلة» متفق عليه.
قال الشافعي: “فأُحِبُّ للرجلِ الزيادةَ بالجودِ في شهر رمضان اقتداءً برسول الله ﷺ، ولحاجةِ الناس فيه إلى مصالحِهم، ولتشاغُلِ كثيرٍ منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم” انتهى كلامه.
ومن الحِكم أيضاً أن رمضان شهرٌ فاضلٌ ثبت أنه يُضاعف فيه ثوابُ الصوم، وثوابُ العمرة، وثوابُ الأعمالِ في ليلة القدر، فيرجى كذلك أن تُضاعف فيه الحسناتُ كلُّها في كلِّ أيامه ولياليه، كما جاء عن جماعة من السلف. ولأن إعانةَ الصائم على فِطْرِه سبيلٌ إلى الفوز بمثل أَجرِه، وإعانةُ المسلم على سُحوره إعانةٌ له على صومه.
كما أن الصدقة في رمضانَ وغيرهِ يكفّرُ الله بها السيئات، ويضاعف بها الحسنات، ويَرفعُ بها الدرجات، وتُظِلُّ المتصدقَ يوم تدنو الشمسُ من الرؤوس، ويشتدُّ الكَرْبُ على النفوس. فعن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ” فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لَا يَتَصَدَّقُ فِيهِ بشيء ولو كعكة، ولو بصلة”. أخرجه ابن حبان في صحيحه.
إخوة الإسلام:
إن أعظمَ الصدقاتِ شأناً هي الزكاةُ المفروضة، فمن وجبت عليه الزكاةُ، وحلَّ عليه وقتُها فليبادرْ إلى إخراجها، ولَيحذرْ من الشُّحِّ بها، والتسويفِ فيها، فإن مَن حضَرهُ الأجلُ وعاينَ الآخرة رأى العذابَ الذي أُعِدَّ على ترك إخراجها، فيسألُ اللهَ الرجعى إلى الدنيا ليخرجَها، ولكن “هَيْهَاتَ! كَانَ مَا كَانَ، وَأَتَى مَا هُوَ آتٍ” قال تعالى: ” {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} اللهم أعذنا من الغَفَلات، وتضييعِ الواجبات، وارزقنا التوفيقَ حتى نلقاك على أحسنِ الحالات، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي شرع الصدقات، ووعد عليها برفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فاوتَ بين عباده في الرزق، ليبتلي بعضَهم ببعض، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه وخِيْرَتُهُ مِن خَلقه، وأمينُهُ على وحيِه، أجودُ الناسِ بالخير، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله، وافعلوا الخير، وابذلوا المعروف، وجودوا على إخوانكم، فالمؤمنون إخوة، والمسلم أخو المسلم، والمؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضاً، فتلمّسوا حاجاتِ المحتاجين، ونفّسوا كُرَبَ المكروبين، ومن سعى في حاجة أخيه سعى الله في حاجته، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عون أخيه.
إخوة الإسلام:
احرصوا على مصارف صدقاتكم، فما أكثرَ الكذبَ والاحتيال، والاستغلالَ والاستغفال، فالتنظيماتُ الحزبية توظّفُ التبرعاتِ لمصالِحها، وبعضُ الجهاتِ المحاربةِ لنا تنشر متسوليها لتمويل أعمالها ضدنا، وعصاباتُ الاتجارِ بالبشر تنشر الأطفال والنساء في الشوارع والمحطات، وكثيرٌ من المحتالين اتخذوا المساجدَ وأبوابَها مصادرَ للرزق، يتظاهرون بالفقرِ والحاجةِ، والمرضِ والإعاقة، كذباً وتمثيلاً لكسب تعاطف الناس.
ولما كثرت شرورُهم، وتفاقمت أخطارُهم، قطعت الدولةُ وفقها اللهُ الطريقَ عليهم، فنظّمت التبرعاتِ الداخليةَ والخارجية، عبرَ منصّاتٍ إلِكْترُونيّةٍ مضمونة، تحت رقابة الدولة، ورعايتها وعنايتها. فاحرصوا على التبرع عن طريقها حتى تضمنوا وصول أموالكم إلى مستحقيها إن شاء الله.
اللهم لك الحمد أن بلغتنا رمضان حمداً كثيراً، اللهم كما بلغتنا أوله فبلغنا آخره، وأعنا على صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك، اللهم وفقنا لصيامه وقيامه وقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة واكفهم واكف بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار. اللهم انصر جنودنا المدافعين عن بلاد الحرمين، اللهم اغفر ذنوبهم، وإسرافهم في أمرهم، وأفرغ عليهم صبراً، وثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الظالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.