العنوان : من أسباب صلاح القلوب وفسادها (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن مدارَ سعادةِ العبدِ على صلاحِ قلبهِ، فإذا صلَحَ القلبُ صلَحَ الاعتقادُ والقولُ والعملُ، وإذا فسدَ القلبُ فسدَ الاعتقادُ والقولُ والعمل، ففي الحديث الصحيح قال ﷺ «ألا وإنّ في الجسد مضغةً: إذا صلَحتْ صلحَ الجسدُ كُلُّه، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كُلُّه، ألا وهيَ القلبُ» مُتَّفَقٌ عليه. ولِعِظَمِ شأنِ القلوبِ كانت هي محِلَّ نظرِ اللهِ من العبدِ كما في الحديثِ الصحيح قال ﷺ «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ» رواه مسلم.
عبادَ اللهِ:
إن لصلاحِ القلوبِ أسباباً، ولفسادِها أسباباً، فأعظمُ أسبابِ صلاحِها الاستقامةُ على التوحيدِ والسلامةُ مِن الشركِ، وهنيئاً لمن لقيَ اللهَ تعالى بقلبٍ مَعْمُورٍ بالتوحيد، سليمٍ مِن الشركِ، قال اللهُ جلّ وعلا في قصةِ إبراهيمَ عليه السلام أنّهُ دعا ربَّه فقال: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أيْ سليمٍ من الشركِ على قولِ أكثرِ المفسرينَ.
ومِن أسبابِ صلاحِ القلوبِ معرفةُ أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتِهِ، والتّفَقُّهِ فيها، وتَأَمُّلِ معانيها على وِفْقِ عقيدةِ السلفِ الصالحِ، بعيداً عن تحريفاتِ الجَهْمِيّةِ والـمُعتزلةِ والأَشاعِرةِ وغيرِهم، فإنَّ اللهَ تعالى تَعرّفَ إلينا بأسمائِهِ الحسنى، وصفاتِهِ العُلى، وأَمَرَنا بدعائه بأسمائِه، وحَثَّنا النبيُّ ﷺ على إحصاء تسعةٍ وتسعينَ اسماً منها، ووَعَدَ مَن أحصاها بدخول الجنة، قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال ﷺ «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» متفق عليه. وذُكِـرَ للنبيِّ ﷺ رَجُلٌ كان إذا صلّى قرأَ الفاتحةَ وقرأَ بعدها سورةً ثم خَتمَ بسورةِ (قُلْ هوَ اللهُ أحدٌ)، وكلّما صلّى بالناس فعل ذلك، فقال النبيُّ ﷺ: “سَلُوهُ لِـمَ يَفعلُ ذلك”؟ فقال الرجلُ: “لإنها صِفَةُ الرّحمنِ، وأنا أُحِبُّ أنْ أقرأَ بها” فقال النبيُّ ﷺ: «أخبروه أن الله يحبه» مُتَّفَقٌ عليه.
إخوة الإسلام: إنّ مَنْ عَرَفَ ربَّه بأسمائِهِ وصفاتِهِ عظُمَتْ محبَّةُ اللهِ في قلبِهِ، وعَظُمَ خوفُهُ منه، وَعَظُمَ رجاؤُهُ فيه، ومَنْ كان كذلك استقامَ على طاعةِ ربِّه واجتنابِ نواهيه، واشتَغَلَ بما يَعنيهِ، واستعدَّ للوقوفِ بَيْنَ يَدَيْ خالِقِهِ الذي هو مُلاقِيه.
عبادَ الله:
ومِن أسبابِ صلاحِ القلوبِ كثرةُ ذِكْرِ اللهِ تعالى بالتسبيحِ والتَّهليلِ، والتكبيرِ والاستغفارِ، والإكثارِ من تلاوةِ القرآنِ مَعَ التَّدَبُّرِ لَهُ والعملِ به، قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وقالَ تَعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} وقالَ تَعالى{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}جَعَلني اللهُ وإيّاكُمْ مُنهم، اللهم أصلحْ قلوبَنا واشْرَحْ صُدُورَنا ويَسِّرْ أُمورَنا، أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولَكُمْ مِنْ كُلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نَبيِّنا مُحمّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واحذروا أسبابَ فسادِ القلبِ، فإنَّ فسادَ القلبِ بالشركِ أو البِدَعِ أو النفاقِ أو بشيءٍ من أمراضِ القلوبِ كالكِبْر والحَسَدِ والعُجْبِ، وغيرِ ذلكَ هو عُنوانُ الشَّقاءِ والخُسرانِ والعياذُ بالله.
عبادَ اللهِ:
كما أنّ لصلاحِ القلبِ أسباباً فإن لفساده أسباباً أيضاً، فأعظمُ ما يُفْسِدُ القلبَ هو الشركُ باللهِ، لأنّهُ لا ذنبَ أعظمُ منه حتى إنّ اللهَ حرّم الجنةَ على من لَقِيَهُ مشركاً، {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}، ومِن أسبابِ فسادِ القلوبِ التعبدُ لله بالبِدَعِ والمحدثاتِ، فإنّ البدعَ لا تزيدُ العبدَ مِن الله إلا بُعْداً لإنّ البِدَعَ والمحدثاتِ في النارِ كما في الأحاديثِ، ومما أَحْدَثَهُ الناسُ في هذا الشهرِ من البِدَعِ؛ الاحتفالُ بليلةِ النصفِ من شعبان، وهو احتفال مبتَدَعٌ ما أَنزلُ اللهُ به من سلطان.
ومن أسبابِ فسادِ القلبِ صُحبةُ الكفارِ والفُسّاقِ والسفهاءِ، فإنّ المرءَ على دينِ خليلهِ، ومِن أَخطرِ صُوَرِ الصحبةِ في هذا العصرِ الصحبةُ الافتراضيةُ على وسائلِ التواصلِ الحديثة، فكم من طفلٍ أو فتىً أو فتاةٍ أو رجلٍ او امرأةٍ يصادقُ شخصاً أو أكثرَ أو يتابعُ أحدَ أو إحدىْ ما يُعرف بالمشاهير، فيخلو بجهازهِ معهم الساعاتِ الطويلةَ مِن كُلِّ يومٍ، يَسمعُ كلامَهم، ويُشاهدُ يومياتِهم، ويعيشُ بمشاعرِهِ وقلبهِ معهم، دونَ تَمحيصٍ ولا تَمْيِيْزٍ، فقد يقعُ في شِراكِ الـمُلحدِ المنسلخِ من الدينِ كُلِّه، وقد يتابعُ الضالَ المتطرفَ العدوَّ للوطنِ وقيادتِه وأمنِه، وقد يتعلق قلبُه بالمنسلخِ من الأخلاقِ والقِيَمِ والمبادئ.
فلنكُنْ على وعيٍ تامٍّ، وحَذَرٍ بالغٍ، على أنفسِنا، وعلى مَنْ ولّانا اللهُ أمرَ تربيتِهِ ورعايتِه، أو أمرَ نُصحِهِ وإرشادِه.
معاشرَ المؤمنينَ صلّوا وسَلّموا على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، اللهم صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى خلفائهِ الراشدين، وعلى أزواجه وآله، وصحبه أجمعين. وعنّا معهم بمنّك وكرمك يا أكرمَ الأكرمين. اللهم أعزّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّر أعداءَكَ أعداءَ الدِّين، واجعلْ هذا البلدَ آمناً مطمئناً وسائرَ بلادِ المسلمين. اللهم وفّقْ إمامَنا ووليَّ عهدِه بتوفيقِك، وأيّدهم بتأييدِك، وأصلحْ لهم البطانةَ يا ربَّ العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وأَسعِدنا في دُنيانا وأُخرانا، اللهم فرّج هَمَّ المهمومين، واقض الدَّينَ عن المدينين، وبلّغنا رمضان في خيرٍ وعافيةٍ آمنينَ مطمئنين، والحمد لله رب العالمين.
اللهم أصلح قلوبنا
جزاك الله خير الجزاء