العنوان : الخوارج شرار الخلق خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعتصموا بحبل الله، وتمسكوا بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وبما كان عليه الصحابة الكرام، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 102، 103] وقال ﷺ “عليكُم بسنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ، المَهديِّينَ الرَّاشدينَ، تَمَسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ” رواه أبو داود. واحذروا سلوك سبل الفرق الضالة الهالكة، التي أخبرنا النبي ﷺ خبرَ ناهٍ وناصحٍ ومحذرٍ أن الأمة ستفترق عليها، وأنها كلها في النار إلا واحدة، هي التي تثبت مستقيمة على ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه -جعلني الله وإياكم من أهلها-.
عباد الله: إن من أعظم الفرق الضالة خطراً، ومن أكثرها فساداً وضرراً، فرقةَ الخوارج، الفرقة المارقة، التي يقوم منهجها المنحرف على تكفير المسلمين بغير حق، واستحلال الدماء المعصومة بغير حق، والخروج على ولاة الأمور بغير حق، والسعي الجاد في تقويض وهدم الأمن والاستقرار في المجتمعات الإسلامية.
وقد حذرنا النبي ﷺ من الخوارج أبلغ تحذير، وأنكر على أول رجل ظهر منهم أبلغ نكير، وتوعدهم أشد إيعاد، فقال “لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ” أي قتلاً يستأصلهم جميعاً لما هم عليه من الفساد والإفساد.
ومن كمال نصح النبي ﷺ وشفقته على أمته فقد وصفهم بأوصاف واضحة جلية، منها أنهم “حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام”. أي يغلب عليهم الطيش والخِفّة وعدم النظر في العواقب، لضعف عقولهم، وصغر أعمارهم، وقلة تجاربهم، ومن كان طائشاً سفيهاً ضعيف العقل كان ضرره أعظم من نفعه وإفساده أكثر من إصلاحه.
ومنها أنهم “يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم” أي أنهم يقرؤون القرآن دون علم ولا فقه فيفسرونه بتفسيرات باطلة يبنون عليها تكفير المسلمين واستحلال دماء المعصومين ومفارقة جماعة المسلمين كما في صحيح البخاري أن ابن عمر كان يراهم شرار الخلق وأنَّهم “انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ”.
ومما وصفهم به النبي ﷺ أنهم “يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان” وذلك لأنهم يرون المسلمين مرتدين، وقتالُ المرتد مُقدَّمٌ على قتال الكافر الأصلي من اليهود والنصارى وغيرهم، وهذا الوصف مطابق لواقعهم فالنبي ﷺ لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فإن أكثر الدماء التي سفكت على أيدي الخوارج هي دماء الموحدين، فقد ابتدؤوا تاريخَهم الدموي بقتل عثمان رضي الله عنه، ثم بقتال الصحابة في النهروان ثم قتلوا علياً رضي الله عنه وهو خارج يصلي الفجر، وهكذا هم على امتداد تاريخهم تجد ثوراتِهم ومظاهراتِهم وتفجيراتِهم واغتيالاتِهم موجهةً إلى نحور إلى أهل الإسلام، وفي ديار أهل الإسلام، وما كان غير ذلك فهو شاذ ونادر بالنسبة لمجموع فسادهم على امتداد تاريخهم إلى يومنا هذا.
ومما وصفهم به النبي ﷺ أنهم يبالغون في الاجتهاد في العبادة كقراءة القرآن والصلاة والصيام، فيستفاد من هذا الوصف أنه لا ينبغي للمسلمين أن يغتروا بعبادة الخوارج وإظهارهم الصلاح والنسك والخشوع والغَيرة على الدين ونحو ذلك، فيظنوا أنهم على حق، لأن الاجتهاد في العبادة لا يلزم منه صحةُ المعتقد ولا صحةُ المنهج ولا صحةُ الديانة ولا حتى حسنُ العاقبةِ يومَ القيامة. فهؤلاء الخوارج وصفهم النبي ﷺ بالعبادة العظيمة ومع ذلك أخبر أنهم يمرقون من الدين، وأنه لو أدركهم لقتلهم ولم يُبق منهم أحداً، وأنهم شر الخلق والخليقة، وأنهم كلابُ النار في الآخرة والعياذ بالله. فأساسُ الاستقامة وأصلُها التزامُ عقيدة السلف الصالح، لأنها الفهم الصحيح لكتاب الله ولسنة رسول ﷺ. وإلا فالفِرَقُ كلها تستدل بالكتاب والسنة ولكنْ بأفهامٍ منكوسة، ونظراتٍ معكوسة، لا تتفق مع فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، ولا تظنوا أن الخوارجَ فرقةٌ كانتْ وبادتْ، بل لا تزال موجودةً بأفكارها ومنهجها وسلوكها، فالجماعات التي تنتهج التكفير والخروج على الحكام وتقوم بالمظاهرات والتفجيرات وتنفذ الاغتيالات هي امتداد لعقيدة الخوارج، سواء تسمّى أصحاب هذا المنهج بالإخوان المسلمين، أو تنظيم القاعدة أو جبهة النصرة أو غير ذلك من التسميات، فالعبرة بالمنهج الذي يتبناه الفرد أو الجماعة.
فلنكن على حذر بالغ من هذه الجماعات والتنظيمات والأحزاب، ولا نغتر بأسمائها ولا بدعواها الجهاد أو الدعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بغير ذلك من الدعاوى ما دامت غير متفقة مع كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ ومنهج السلف الصالح.
وقد صدرت الفتاوى الشرعية والبيانات الرسمية مُجَرِّمةً هذه الجماعات محذرة منها موضحة زيغها وضلالها وخبث أهدافها. فإنها لا تريد بنا خيراً، لا تريد إلا سلْخَنا من عقديتنا السلفية النقية، ولا تريد إلا تخريبَ أمنِنا وتفريقَ كلِمَتِنا وتشتيتَ شملِنا، وتبديلَ نعمةِ الله علينا.
فاحذروهم وحذّروا منهم، وأفسدوا عليهم خُطَطَهم بتمسككم بعقيدتكم، وصدقِ ولائِكم لولاة أموركم، وتوقيرِكم لعلماءِ السنة والأخذِ عنهم، وبالتعاونِ مع الدولةِ أيدّها الله بالتبليغ عن كل مُحرّضٍ ومثيرٍ للفتنة وساعٍ في إفساد دينِنا أو أمنِنا.
اللهم إنا نعوذ بك من الخوارجِ شرارِ الخلقِ وكلابِ النار، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم إنك أنت العزيز القهار. اللهم احفظ على بلادِنا أمنَها واستقرارَها واجتماعَ كلمتِها وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذب النار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.