العنوان : وجوب الاستعاذة بالله وحده (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: إن الله تعالى قرر في مواضع كثيرة من كتابه الكريم أن النفع والضر بيده وحده، فلا يملك أحد من الخلق شيئاً من النفع والضر قال تعالى {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} وقال تعالى {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
و لذلك أمر جلّ وعلا أن يُستعاذ به وحده قال تعالى {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقال تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقال تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وقال تعالى{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
وقص الله علينا أخبار سادات الموحدين وأئمتهم من النبيين والصديقين أنهم كانوا يستعيذون بالله وحده فقال نوح عليه السلام: “{رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال موسى عليه السلام {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} وقالت مريم {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}.
ومن هنا نعلم عبادَ الله: أن الاستعاذة عبادة لأن الله أمر أن تصرف له، وأن الاستعاذة بالله توحيد، وأن الاستعاذة بغير الله شرك وتنديد، فمن استعاذ بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك شركاً أكبر والعياذ بالله، ومما يؤكد ذلك ويبينه أيضاً أن الجن لما استمعوا إلى القرآن وأسلموا تبرؤوا من الشركيات والكفريات التي كان عليها قومهم فكان مما قالوا {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أي أن بعض الإنس كانوا يستعيذون برجال من الجن، فدل ذلك على أن استعاذة الإنسي بالجني من الشرك الأكبر، و كان من عادات العرب في الجاهلية أن أحدهم إذا نزل وادياً ليبيت فيه قال مستعيذاً بالجن: (أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه) أو (أعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه) ومنهم من يقول (نعوذ بعظماء هذا الوادي) وبعضهم يقول (نعوذ بأعزِّ أهلِ هذا المكان).
فعوضنا الله تعالى عن هذه الاستعاذة الشركية التي تضر ولا تنفع بأن نقول إذا نزلنا منزلاً: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» وبشرنا نبينا ﷺ بأن من قالها أي موقناً مؤمنا بها “لم يضره شيء ، حتى يرتحل من منزله ذلك” رواه مسلم.
فأسلموا وجوهكم لله وحده، وفوضوا أموركم إليه وحده، ولا تلتفتوا بقلوبكم إلى أحده سواه، فهو وحده الذي بيده الضر والنفع قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم كم كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واحذروا من الاستعاذات الشركية كلها ومنها الاستعاذة بالجن ومناداتهم عند الخوف كقول بعضهم (يا جن خذوه) (يا أم الصبيان) ونحو ذلك، ومنها استعمال الحروز والطلاسم الشركية أو الطلاسم غير المفهومة للوقاية من الجن أو الحيات والعقارب أو للوقاية من السحر والعين ونحو ذلك. ومنها طلب الإجارة من النار ومن الكربات من النبي ﷺ أو من علي أو من الحسين رضي الله عنهما أو من غيرهم.
وأما الاستعاذة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه فهذا من الأسباب المباحة والحمد لله كالاستعاذة بالشرطة من اللصوص.
وهنا بعض الألفاظ يجب التنبه لها:
اللفظ الأول: أن تقول أعوذ بفلان أو أعوذ بك يا فلان في أمر لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر مخرج من الملة.
اللفظ الثاني: أن تخاطب رجلاً حياً حاضراً فتقول أعوذ بالله وبك يا فلان من شر هذا الظالم مثلاً فهذا شرك أصغر، لأنه لا يجوز في هذا المقام أن تستعمل الواو في العطف على لفظ الجلالة.
اللفظ الثالث: أن تخاطب حياً حاضراً في أمر يقدر عليه فتقول له أعوذ بالله ثم بك من شر هذا الظالم مثلاً فهذه العبارة صحيحة والحمد لله.
فاحرصوا إخوة الإسلام على فهم هذه المسائل فهماً صحيحاً، ومن لم يستوعبها من خلال الخطبة فليسأل وليتعلم حتى يفهم، فإن التوحيد هو رأس المال، وحبل النجاة، وسبب السعادة في الدنيا والآخرة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة، واجزهم خير الجزاء على خدمة بيتك ومسجد نبيك، ورعاية الحجاج والعمار والزوار يا رب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم اكفنا شر الروافض والحوثيين وشر كل ذي شر اللهم رد كيدهم في نحورهم واصرف عنا وعن سائر المسلمين شرورهم، إنك أنت القوي العزيز. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.