جديد الإعلانات :

العنوان : الترغيب في الأضاحي والتحذير من التزهيد فيها

عدد الزيارات : 4416

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

 أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي في يوم العيد وأيام التشريق من شعائر دين رب العالمين، ومن هدي سيد المرسلين، ومن تقرب إلى الله بها كما شرع الله فقد أصاب سنة المسلمين. وهي من آثار إبراهيم عليه السلام، إمامِ الحنفاء والموحدين، وخليل رب العالمين.

قال تعالى آمراً بها : ” إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ” قال عكرمة وعطاء وقتادة: فصل لربك صلاة العيد يوم النحر، وانحر نسكك.

وقال تعالى مبيّناً الحكمة من مشروعيتها (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

فمن حِكَمِها:

إظهارُ إفراد الله بالعبادة فإن الذبح على وجه التعظيم والقربان لا يكون إلا لله تعالى، وإذا كان المشركون يذبحون لشياطينهم وأصنامهم وأنصابهم ومُعَظَّمِيهم تقرباً إليهم فالحنفاءُ الموحدون لا يذبحون إلا لله وحده. ولا يرفعون أصواتهم عند الذبح إلا ذاكرين اسم الله عليها فباسم الله ينحرون وباسم الله يذبحون، واللهَ وحدَه يَقصِدون.

ومن حِكَمِها ما جعل الله فيها من الخير والمنافع، فمن منافعها للفقراء الانتفاعُ بلحومها وشحومها وجلودها وجِلالها، وما يحصل للمضحّين وأهلهم وأولادهم من الشبع والفرح بأضاحيهم، وما يُكتب لهم عليها من الأجر والثواب في الآخرة.

ومن حِكَمِها الظاهرة ما يترتب عليها من التواصل والتراحم بين المسلمين من الجيران والأقارب والأصدقاء، وبين الأغنياء والمساكين والفقراء، فإن المشروع أن يأكل منها المضحي ويهدي ويتصدق كما قال تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) أي أطعموا من يسأل ومن يستعفف.

ومن حِكَمِها: أن يحصل بها الاختبارُ والتمييزُ بين أهلِ الخشيةِ والتقوى وتعظيمِ شعائرِ الله مِن غيرهم قال تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} أي تعظيمُ العبادات ومنها الأضاحي وذلك باختيارِ الأضحيةِ الحسنةِ السمينةِ العظيمةِ الثمينةِ إخلاصاً لله لا رياء ولا سمعة دليل على صدق الإيمان، وتعظيم الواحد الديان.

عباد الله:

لقد كان نبيكم صلوات الله وسلامه عليه حفيّاً بالأضاحي معظّماً شأنها فمن ذلك أنه لم يَدَعْ الأضاحي من حين شُرعت حتى توفي ﷺ قال ابن عمر: “أقام رسول الله ﷺ بالمدينة عشر سنين يضحي”. رواه الترمذي وحسنه. مع أنه ﷺ مرّ خلال تلك السنوات العشر بظروف مختلفة من فقرٍ وغنى، ويسرٍ وعسر، وأمنٍ وخوف.

وكان ﷺ يضحي بكبشين اثنين، وكان يحسن اختيارَهما عليه الصلاة والسلام قال أنس رضي الله عنه  «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ» رواه البخاري، وقال رضي الله عنه:  «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أَملحين _أي فيهما بياض وسواد_أَقرنين، ذبحهما بيده ، وسمّى وكبّر ، ووضع رجله على صِفاحهما» متفق عليه.

ومن حفاوته ﷺ وعنايته بها أنه كان يباشر ذبحها بيده الشريفة وكان يستعين بأهله على ذلك ، قالت عائشة رضي الله عنه : ” أمر ﷺ بكبش أقرن يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، فأُتي به ليضحيَ به ، فقال لها : يا عائشة ، هَلُمِّي الـمُدْيَة _يعني السكين_ ، ثم قال : اشحذيها بحَجَر ، ففعلتُ : ثم أخذها ، وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه ، ثم قال : باسم الله ، اللهم تقبل من محمد ، وآل محمد ، ومن أمة محمد ، ثم ضحى به» رواه مسلم.

وسار أصحابه على سنته في العناية بالأضاحي والاهتمام البالغ بهذه الشعيرة العظيمة قال أبو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ» رواه البخاري. وسئل ابن عمر عن الأضحية أواجبة هي؟ فقال: «ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمُسْلِمُونَ» رواه الترمذي. وأضاف النبي ﷺ الأضاحي إلى سنة المسلمين فقال: «مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ» متفق عليه.

فاحرصوا على هذه الشعيرة ولا تبخلوا بها امتثالاً لقوله تعالى (فصل لربك وانحر) وتأسياً بنبيكم ﷺ وبأصحابه من بعده. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن السنن النبوية كما أن لها دعاةً إليها، فعلى الطريق إليها مثبّطون عنها مزهّدون فيها. ومنها هذه الشعيرة العظيمة شعيرة الأضاحي فقد نفّر عنها ناس بدعوى الرفق بالحيوان، ونفّر عنها آخرون بدعوى أنها تربي الأطفال والأجيال على العنف والدموية، ونفّر عنها آخرون بدعوى الاستفادة من أثمانها المليارية للجمعيات الخيرية.

عباد الله: إننا لو أصغينا لهؤلاء الذين يتكلمون بآرائهم في شعائر الإسلام مخالفين سنةَ محمدٍ ﷺ وسنةَ أصحابِه لتركنا سنةَ ترائي الهلال، ولتركنا إخراجَ صدقةِ الفطرِ من الطعام، ولتركنا الأضاحي، ولتركنا كثيراً من الشعائر. وإذا تركنا السنن حلّت محلها البدع ولا بد، فإنه ليس بعد الحقِ إلا الضلال.

أيها المؤمنون: إن الخير كل الخير في كتابِ الله وسنةِ رسول الله ﷺ وفيما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان تركُ الأضاحي والاستعاضةُ عنها بالصدقةِ بقيمتها، أو الاكتفاءِ بالصدقة مطلقاً في عيد الأضحى، لو كان خيراً لكان محمد ﷺ أسبقَنا إليه، فقد كان في مدينته وفي زمنه فقراءُ ومساكينُ يحتاجون إلى المال أكثرَ من حاجتهم إلى اللحوم، لقضاء ديونٍ أو لنكاحٍ أو لنفقةٍ، أو لغيرِ ذلك من حاجاتٍ البشر. ومع ذلك نجد النبي ﷺ لا يَعْدِلُ عن الأضحية. فعلاً لها وحثاً عليها. فنحن كذلك مَن كان منّا قادراً مستطيعاً ضحّى كما ضحى النبي ﷺ ، فهي العبادة المشروعة الموقتة بيوم النحر وأيام التشريق، وأما صدقة التطوع فبابها مفتوحٌ طوالَ العامِ لمن يرغب في أجرها وثوابها. وتذكروا _عباد الله_ أنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله وأن خيرَ الهَدي هديُ محمدٍ ﷺ.

اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ويسر لهم أداء مناسكهم آمنين، اللهم اشف خادم الحرمين الشريفين وألبسه ثياب الصحة والعافية، وأطل في عمره على طاعتك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي عهده الأمير محمد بن سلمان وانصر به دينك وسنة نبيك ﷺ واقمع به أهل الزيغ والفساد، وارزقه البطانة الصالحة، وهيء له من أمره رشداً. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *