العنوان : مكانة الحج والإشادة بقرار المملكة في تقليل عدد الحجاج بسبب كورونا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى أمر خليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام أن يبنيا بيته الحرام وأن يرفعا قواعده كما قال تعالى {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وجعل الله هذا البيت قياماً للناس تقوم به مصالح دينهم بأداء العبادة فيه وإليه، ومصالح دنياهم من الأمن والأمان، وجبايةِ الثمرات لأهله من كل مكان، ومثابةً يعود الناس إليه في كل حين وآن، قال تعالى (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) وقال تعالى (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
ولما أتما بناءه فرض الله على الناس حجه فقال تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) وأمر الله إبراهيم فقال له : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) فحج إبراهيم عليه السلام وحج النبيون من بعده ومن شاء الله من عباده، وبعث الله محمداً ﷺ ففرض عليه وعلى أمته الحج، وجعله أحد أركان دين الإسلام كما قال ﷺ : «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ، عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ» متفق عليه.
ومن فضل الله تعالى أن جعل في الحج منافع لا يعلمها كلَّها إلا هو فمن منافعه أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وأن من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، ومن منافعه التعارف والتآلف بين المسلمين وتعاونهم على البر والتقوى، ومن منافعه أن أذن الله فيه بالتجارة كما قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) الآية.
ومن تيسير الله تعالى على هذه الأمة أن جعل فرضه عليهم مرة واحدة في العمر تخفيفاً وتسهيلاً روى ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: “لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا، وَلَوْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا عُذِّبْتُمْ” فالحمد لله على فضله وتيسيره. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن هذه الدولة السعودية من أعظم الدول قياماً بحقوق البيت الحرام وشعائر الحج وإكرام الحجاج والمعتمرين والزوار، وليس من المبالغة في شيء إن قلنا إنه لا تُعرف دولة في التاريخ بعد دولة الخلفاء الراشدين قامت بما قامت به هذه الدولة السعودية المباركة من عمارة ورعاية وعناية بالحرمين الشريفين وقاصديهما. جعل الله ذلك في موازين حسناتها وصرف به الشرور عنها، وزادها به عزاً وتمكيناً وسؤدداً.
ومن جميل مآثرها وحميد صنائعها ما أعلنت عنه من قيام شعيرة الحج لهذا العام مع تقليل أعداد الحجاج، حفاظا على هذا الركن العظيم من التعطيل، وحفاظا في الوقت نفسه على أرواح الناس وحياتهم وصحتهم محلياً وعالمياً، فموسم هذا العام يأتي والعالم يعاني من جائحة وباء كورونا عافانا الله وإياكم منه، وهو قرار حميد، يتسق ويتفق مع قواعد الشرع وأدلته ومقاصده كما أوضحت ذلك هيئة كبار العلماء، وقد حظي هذه القرار بحمد الله بتأييد علماء المسلمين في الداخل والخارج، وأشاد به عقلاء الأمم والدول والمنظمات. ومن سمع منكم تشكيكاً أو لمزاً في هذا القرار -أعني قرار تقليل عدد الحجاج بسبب كورونا- فليعلم أنه صادر من حاسد حاقد لا يتكلم بعلم ولا بعدل ولا بعقل وإنما يتكلم عن هوى خبيث، وحقد دفين، وعداوة دينية وحزبية لهذا البلد وأهله.
اللهم ارفع الكربة واكشف الغمة وعافنا وعموم المسلمين من كل بلاء، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.