العنوان : وجوب الاستسلام لله تعالى وبيان خطر الليبرالية (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى خلق الثقلين لعبادته كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فهو الرب وحده، والإنس والجن خلقه وعبيده، خلقهم بقدرته، ورباهم بنعمته، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، ووعد من أطاعه بجنته ورحمته، وتوعد من عصاه بناره ونقمته.
شرع لعباده الدين الحق، دين الإسلام، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهله قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وقال تعالى {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} وقال تعالى {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وقال تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} وقال تعالى {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
ولما بعث الله تعالى محمداً ﷺ بدين الإسلام نسخ الله به الشرائع التي قبله وأوجب على الثقلين طاعته باتباع ما جاء به في الكتاب والسنة ونهاهم عن مخالفة ما جاء به فقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقال تعالى{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وقال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } وقال ﷺ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم.
وخلاصة ما سبق أن الدين الذي لا يقبل الله من أحد سواه هو الاستسلام والانقياد والقبول لكل ما بعث الله به عبده ورسوله محمداً ﷺ وذلك بعبادة الله وحده وعدم الإشراك به واتباع نبيه ﷺ وطاعة أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره عليه الصلاة والسلام. فمن لقي بالله بالتوحيد دخل الجنة ومن لقيه مشركاً أو كافراً أو ملحداً كان من أهل النار قال ﷺ «مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ» رواه مسلم.
عباد الله: لقد زين الشيطان لبعض أوليائه أنهم أحرار في هذه الحياة وأن لهم أن يفعلوا ما يشاؤون وأن يتركوا ما يشاؤون، وأنه لا سلطان للدين عليهم، بل وصل الحد وبلغت الفتنة بهذا الوحي الشيطاني مبلغاً عظيماً حين تبناه بعض رموز ما يسمى بالجماعات الإسلامية فقرروا أمام الملأ وعبر قنواتهم الفضائية أن الحرية مقدمة على الشريعة وأن للإنسان مسلماً كان أو غير مسلم أن يفعل ما يشاء ولو خالف القرآن والسنة وعصى الله ورسوله وليس لفرد ولا لدولة منعه من ذلك ، بالله بل بلغت بهم حريتهم المزعومة أن قال قائلهم لك الحق في أن تعترض على الله وعلى كتابه وعلى رسوله والعياذ بالله.
ومن هذا المنطلق منطلق الحرية التي لا قيد لها ولا زمام ولا خطام قامت الدعوات إلى إلغاء الحكم بشريعة الله تعالى المنزلة ، وقامت الدعوات إلى إلغاء الحدود والعقوبات الشرعية، والدعوة إلى إماتة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، ومن هذا المنطلق قامت الدعوة إلى انحلال المرأة المسلمة من دينها وحيائها وحشمتها وحجابها، ومن هذا المنطلق قامت الدعوات إلى إباحة العلاقات الشاذة من اللواط والسحاق، والدعوة إلى حرية المسلم في البقاء على الإسلام أو الردة عنه كل ذلك بدعوى الحرية والعياذ بالله.
عباد الله : إن الدعوة إلى هذا التمرد على دين الله والمضادة لشريعة الله والرفضَ للخضوع لحكمه هي دعوة لا تتفق مع الإسلام ولا تتفق مع التوحيد ولا تتفق مع الإيمان بالله إلهاً وبمحمد ﷺ رسولاً وبالقرآن كتاباً.
فعلى المسلم أن يحذر من هذه الأفكار وهذه الدعوات وهذه المناهج سواء سميت علمانية أو ليبرالية أو تحررية أو تقدمية أو سميت بغير ذلك من الأسماء وإن كان أكثر ما تسمى به هذه الدعوة اليوم هو اللبرالية.
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يرزقنا الاعتصام بكتابه الكريم وسنة نبيه الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وحافظوا أشد المحافظة على دينكم وعقيدتكم وعلى أخلاقكم فإن الخير الذي تتقلبون فيه من أمن وأمان وسكينة واطمئنان وأُلفة واجتماع ورغد وستر ورخاء إنما هو ثمرة من ثمرات لزوم التوحيد والاعتصام بالشريعة والتحلي بمكارم الأخلاق مصداقاً لقوله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } والنعم إذا كُفِرت وترُكت أسباب نزولها وأسباب دوامها سلبت وذهبت، قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وما أهونَ العبادَ على الله إذا هم عصوه قال تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }
إخوة الإسلام:
احذروا الأفكار والمناهج والأحزاب التي تدعوكم إلى البدع والتفرق والخروج عن منهج السلف وتدعوكم إلى التمرد على ولاة الأمور والخروج عن الطاعة واحذروا الدعوات التي تدعو إلى فسوق المرأة وفجورها وانحلالها من أسرتها وحيائها وسترها، واحذروا الأفكار التي تدعوكم إلى الخروج من الدين والملة كالعلمانية واللبرالية والإلحادية.
وتعاملوا معها بمقتضى الشرع دون إفراط ولا تفريط ومن ذلك أن العلماء إذا قالوا بأن هذا القول فسق أو بدعة أو كفر أو نفاق أو ردة فلا يلزم من ذلك أن يكون القائل فاسقاً أو مبتدعاً أو كافراً أو مرتداً. لأن الحكم على الشخص المعين بالكفر أمر عظيم ولا يجوز لغير أهل الرسوخ في العلم ممن عرف شروط التكفير أن يقدم عليه، وكذلك تنفيذ الأحكام المترتبة على التكفير لا ينفذها إلا ولاة الأمور فأمر الحدود إلى السلطان، إلى ولي الأمر كما دلت على ذلك الأدلة الشرعية، وبمراعاة هذين الأمرين يسلم المجتمع على أمنه واستقراره، وإذا لم تراعَ صارت الأمورُ فوضى والدماءُ لعبةً.كما هو الحال في مسلك الخوارج والجماعات الغالية والعياذ بالله.
وكذلك علينا أن نحذر من مسلك الخوارج الذين يتخذون من المعاصي والمنكرات الظاهرة وسيلة إلى الطعن في ولاة الأمور والتهييج عليهم وإظهار سبهم ولعنهم والدعاء عليهم، فهذه ليست طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
بل ولاة الأمور لهم علينا حق الولاء والسمع والطاعة في المعروف، ولهم علينا حق الدعاء لهم بالعافية والصلاح وحسن البطانة، ولهم علينا حق الدفاع عنهم والرد على من يحرض عليهم، وذلك لعظم مقام ولاة الأمور في الإسلام، ولما يجريه الله على أيديهم من الخيرات والمصالح وما يكفه الله _عن الرعية على أيديهم_ من الشرور والمصائب، وإن حصل منهم من النقص ما حصل.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك، اللهم وفق ولي عهده لكل خير واحفظه من كل شر اللهم هيء لهم البطانة الصالحة الناصحة، وانصر بهم الحق والرشاد، واقمع بهم أهل الزيغ والفساد.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.