جديد الإعلانات :

العنوان : من أسباب زيادة الإيمان خطبة مكتوبة

عدد الزيارات : 9290

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن السعادة الحقيقية للعبد في هذه الدار والسعادة الدائمة الأبدية في الدار الآخرة لا تنال إلا بالإيمان الصادق الصحيح الذي أمر الله به في كتابه وأمر به نبيه ﷺ في سنته.

قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال تعالى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} وقال تعالى {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}

وأصول الإيمان الذي أمرنا الله به ستة أصول قال تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }  وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} والسادس الإيمان بالقدر كما جاء في الحديث الصحيح في تعريف الإيمان «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» رواه مسلم.

والعبد في هذه الحياة مع إيمانه في زيادة ونقص وضعف وقوة ومد وجزر لأن الإيمان يزيد بالتقوى والطاعات وينقص بالمعاصي والزلات لذلك كان المؤمنون متفاوتين في إيمانهم وليسوا على درجة واحدة فمنهم مَن إيمانه كالجبال ومنهم من إيمانه كحبة خردل والمؤمن نفسه مرة يزيد إيمانه ومرة ينقص.

فعلى كل مسلم أن يحرص غاية الحرص أن يتعاهد إيمانه ويحاسب نفسه ويتفقد حاله مع ربه وليكن كراعي الغنم في أرض تكثر فيها الذئاب واللصوص إن غفل عنها أكلها الذئب وسرقها اللص وهكذا القلب إن غفل عنه العبد استولت عليه الذنوب والمعاصي وأهلكته البدع والضلالات وأفسدته الشهوات والغفلات.

لذا كان من عظيم فقه السلف حرصهم على تعاهد إيمانهم وتفقده والسعي في زيادته فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول “قم بنا نزدد إيماناً” وكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْخُذُ بِيَدِ النَّفَرِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: «تَعَالَوْا نُؤْمِنُ سَاعَةً ; تَعَالَوْا فَلْنَذْكُرِ اللَّهَ وَنَزْدَدْ إِيمَانًا تَعَالَوْا نَذْكُرُهُ بِطَاعَتِهِ لَعَلَّهُ يَذْكُرُنَا بِمَغْفِرَتِهِ» وكَانَ مُعَاذٌ يَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِهِ: «اجْلِسْ بِنَا فَلْنُؤْمِنْ سَاعَةً»، فَيَجْلِسَانِ يَتَذَاكَرَانِ اللَّهَ وَيَحْمَدَانِهِ.

عباد الله:

قد يقول قائل ما هي الأسباب التي يزداد بها الإيمان؟

والجواب أن الإيمان كما تقدم يزداد بالطاعات فكل طاعة تعملها مخلصاً فيها لله متبعاً فيها لرسول الله ﷺ تزداد بها إيماناً.

والطاعات كثيرة منها ما يكون بالقلب ومنها ما يكون باللسان ومنها ما يكون بالجوارح فمن الطاعات والعبادات القلبية الخوف من الله والرجاء فيه والرغبة إليه والرهبة منه والاستعانة به والتوكل عليه ومن عبادات اللسان دعاء الله تعالى وهو العبادة ومخها وخلاصتها، ومنها تلاوة القرآن الكريم والإقبال عليه تدبراً وفهماً ففيه تتعرف على ربك بأسمائه وصفاته فتزداد له حباً وتعظيماً وتزداد منه خشية وخوفاً وتزداد فيه حباً وله رجاء ، وفي القرآن ذكر البعث والنشور والجزاء والحساب فيورثك ذلك الزهد في الدنيا والاستعداد للآخرة،  وفيه أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار وفيه أخبار الأمم الماضية والقرون الخالية وكيف عذب الله من عصاه وكيف نجّى من آمن به واتقاه، فتعرف بذلك بعض سنن ربك في عباده، فما أعظمَ القرآنَ من كتاب! وما أجل التلاوة من عبادة!  ولو سلمت القلوب ما شبعت من كلام الله كما قال بعض السلف.

ومن عبادات اللسان الذكر الشرعي بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير كما ورد في الشرع ذكراً سليماً من أباطيل الصوفية التي أفسدوا بها الذكر من الرقص والطبل والألحان واختراع أذكار ما أنزل الله بها من سلطان

ومن العبادات القولية التي يزيد بها الإيمان مذاكرة العلم ومدارسته والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ومن العبادات البدنية التي يزيد بها الإيمان الصلاة والحج والعمرة والطواف والتزاور في الله وإماطة الأذى عن الطريق.

ومن العبادات المالية التي يزيد بها الإيمان إيتاء الزكوات وبذل الصدقات وتفريج الكربات، وفعل الخيرات كبناء المساجد وحفر الآبار ووقف المصاحف وطباعة الكتب النافعة.

ومما يزيد به إيمان العبد تفكره في آيات الله ومخلوقاته الدالة على عظمة الله وجلاله، وكمال علمه وقدرته، وحكمته ورحمته، كما قال تعالى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وقال تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}

ومن أسباب زيادة الإيمان دراسة أخبارِ النبيين والمرسلين وصالحِ المؤمنين ومصاحبةُ الأخيار ومجالستُهم فالمرء على دين خليله.

فتقربوا إلى الله تعالى بفعل الخيرات وترك المنكرات وتجديد التوبة وكثرة الاستغفار فإنه لا فلاح إلا بالإيمان بالله وطاعته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. أقول هذا القول وأستغفر الله لي لكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وخذوا بأسباب قوة الإيمان واجتنبوا أسباب ضعفه فإن الفتن كثيرة، ونار الشبهات والشهوات مستطيرة ، وما لم يعتصم العبد بربه ثم بقوة إيمانه زاغ قلبه واتبع هواه وعصفت به الفتن.

ومما يعين العبد على قوة إيمانه كثرة الدعاء والإلحاح على الله تعالى بالأدعية المناسبة كسؤال الله تعالى الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد والازدياد من الإيمان والاستعاذة به من الزيغ والضلال ومن الأدعية المأثورة المناسبة لهذا المقام قوله ﷺ (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) وقوله ﷺ (نَسأَلُ اللهَ ربَّنا ألّا يُزيغَ قُلوبَنا بعدَ إذْ هدانا، ونَسأَلُه أنْ يَهَبَ لنا من لدُنْه رحمةً، إنَّه هو الوهّابُ) وقوله ﷺ  (اللَّهمَّ ربَّ النَّبيِّ محمَّدٍ، اغفِرْ لي ذَنْبي، وأذهِبْ غيظَ قلبي، وأَجِرْني من مُضِلّاتِ الفِتَنِ ما أحيَيْتَنا) كما في حديث أم سلمة. وقوله ﷺ ” اللهمَّ إنِّي أسألُكَ العافِيَةَ في الدنيا والآخرةِ اللهمَّ إنِّي أسألُكَ العَفْوَ والعافِيَةَ في دِينِي ودُنْيايَ” وقوله ﷺ ” اللهمَّ أعِنِّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك” ومن دعاء ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول : ” اللَّهمَّ زِدْنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا”.

فأكثروا من هذه الأدعية ومثلها وألحوا على الله تعالى بذلك فإن القلوب ضعيفة سريعة التقلب، وهي بيد مَن خَلَقها يصرفها كيف شاء فمن شاء هداه بفضله ومن شاء أضله بعدله.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك واصرف قلوبنا عن معصيتك، اللهم ربنا نسألك أن لا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقها.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا وأدم الأمن على بلادنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم أجر نساءنا وبناتنا من التبرج والسفور وزينهن بالتقوى والعفة والحشمة والحياء. وأعذهن من كيد شياطين الإنس والجن يا سميع الدعاء.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *