موقع د. علي بن يحيى الحدادي

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا ربكم بما وصف به نفسه في كتابه الكريم وبما وصفهُ به نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم، فلا أحدَ أعلمَ بالله من الله، وليس في البشر أعلمَ بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم.

فمن أراد أن يعرف ربه فليقرأ كتاب الله وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب أسماء الله وصفاته مستحضراً قاعدتين جليلتين عظيمتين:

القاعدة الأولى: إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم على الحقيقة بالمعنى الذي تدل عليه اللغة العربية.

والقاعدة الثانية: تنزيه الله عن مشابهة خلقه فليس لله شبيه ولا نظير ولا مثيل سبحانه وتعالى. وهاتان القاعدتان جاءتا في قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فأثبت الله تعالى لنفسه السمع وهو سماع الأصوات، فالله يسمع كل صوت. وأثبت لنفسه البصر فالله يرى كل ما يُرى، ومع ذلك نفى سبحانه وتعالى عن نفسه أن يشبهه أحد من خلقه في شيء من أسمائه وصفاته فلا يشبه سمعُه سمعَ شيء من خلقه، ولا يشبه بصرُه بصرَ شيء من خلقه، وما يقال في السمع والبصر يقال في سائر الصفات.

عباد الله:

إن من صفات الله جل وعلا التي يجب على كل مسلم أن يؤمن بها أن الله تعالى عليٌّ بذاته، فوق سماواته، بائن من مخلوقاته.

والأدلة على علوّ الله تعالى كثيرة جداً ومنها أن الله تعالى وصفه نفسه بأنه الأعلى فقال تعالى (سبح اسم ربك الأعلى) وقال تعالى (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وسمى نفسه العلي فقال تعالى (وهو العلي العظيم) فهو العلي ذاتاً، والعلي قدراً والعلي قهراً.

ومنها أن الله تعالى وصف نفسه بأنه فوق خلقه فقال تعالى (وهو القاهر فوق عباده) وقال تعالى عن الملائكة (يخافون ربهم من فوقهم).

ومن الأدلة على علوّ الله تعالى على خلقه وأنه في السماء الآيات الدالة على استواء الله على العرش وهي سبع آيات في كتاب الله منها قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) أي علا عليه علواً خاصاً والعرش سقف المخلوقات والله فوق العرش.

ومن الأدلة على علو الله إخباره أنه رفع بعض خلقه إليه والرفع في لغة العرب يكون من الأسفل إلى الأعلى كما قال سبحانه وتعالى (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلىَّ). وقال تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).

ومن الأدلة على علوّ الله تعالى أنه أخبر أن الملائكة والروح تعرج إليه والعروج هو الصعود قال تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه).

ومن الأدلة على علوّ الله أن موسى عليه السلام وصف ربه جل ّ وعلا لفرعون فأخبره بأنه في السماء فقال فرعون مكذباً ساخراً (يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً) فيا عجباً ممن يتخذ فرعون قدوة له فينكر علو الله على خلقه، ويسخر ممن يؤمن بعلوّه وفوقيته جلّ وعلا.

وقال سبحانه محذراً عباده من نفسه المقدسة أن يُنزّل بهم بأسه فقال تعالى {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} وهل يخسف الأرض ويرسل الحاصب إلا الله تعالى.

إلى غير ذلك من الأدلة الواضحة الظاهرة البينة أن الله فوق سماواته على العرش استوى ليس مختلطاً بخلقه كما يزعمه من يقول على الله بغير علم.

وجاءت السنة النبوية بمثل ما جاء به القرآن بأن الله تعالى في السماء فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا جارية مملوكة فقال لها أين الله: قالت: في السماء. قال: لها من أنا. قالت أنت رسول الله. فقال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة.

ولما حج حجة الوداع: خطب الناس في ذلك المجمع العظيم ثم قال لهم: إنكم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت. فرفع إصبعه السبابة إلى السماء ثم أشار بها إليهم قائلاً اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد. أي يُشهد الله الذي في السماء على هؤلاء الحاضرين بين يديه.

وثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً)

ومن الأدلة على علو الله تعالى أنه شُرع لنا عند الدعاء أن نرفع أيدينا إلى أعلى إلى جهة السماء لأن الله تعالى في العلو سبحانه.

ومن الأدلة على علو الله تعالى أن الله فطر العباد على أن ربهم في السماء فإنه لا يوجد مسلم ولا كافر إلا وهو مضطر عندما ينزل به خطر كغرق أو حَرَق أن يتجه في دعائه وضراعته وابتهاله إلى جهة العلو يجد ذلك اضطراراً من نفسه ولو كان ينكر علوّ الله بلسانه.

وقالت أم المؤمنين زينب بنت جحش لزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخريات (زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات)

فكيف يجادل مسلم أو يخاصم مستنكرا لما دل عليه القران والسنة والفطرة وعليه أجمع السلف الصالح.

نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الاعتقاد الصحيح إلى يوم نلقاه. أقول هذا القول واستغفر الله لي لكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن السلف مجمعون على أن الله تعالى في السماء مستو على عرشه استواء يليق بجلاله

وقد أنكروا أشد الإنكار على من أنكر علو الله تعالى ومن ذلك قول أبي حنيفة رحمه الله عمّن قال : لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض : “فقد كفر لأن الله يقول : { الرحمن على العرش استوى } وعرشه فوق سبع سموات” . وقيل لابن المبارك: بم نعرف ربنا؟ فقال بأنه فوق سماواته على عرشه. وقال مالك: اللهُ في السماء وعلمُه في كل مكان. وقال الشافعي: خلافة الصديق حق قضاها فوق سماواته. وقال أحمد : الله على العرش وعلمه لا يخلو منه مكان.

فهؤلاء الأئمة الأربعة المتبوعون كلهم يصرحون بما دل عليه الكتاب والسنة من أن الله بذاته فوق سماواته سبحانه وتعالى وأنه على العرش استوى. نسأل الله أن يرزقنا الإيمان والاعتقاد الصحيح الذي جاء في كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وكان عليه أصحاب نبيك والتابعون لهم بإحسان اللهم أعذنا من الأهواء والضلالات واتباع الشبهات.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال بلاد المسلمين وأنزل عليها الأمن والسكينة والطمأنينة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.