العنوان : التحذير من بعض بدع شهر رجب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واتبعوا كتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وعليكم بما كان عليه السلف الصالح من لزوم السنن واجتناب البدع. امتثالاً لقوله تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} و امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم «وسترون من بعدي اختلافا شديدا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمورَ المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة» رواه ابو داود وابن ماجه واللفظ له.
وإن من البدع ما أحدثه كثير من الناس من البدع القولية والفعلية في هذا الشهر شهر رجب الذي هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } وأي ظلم للنفس بعد الشرك أشد من ظلم الإنسان لنفسه بالبدع والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان. ولكن هكذا يزين الشيطان لمن اتبع سبله حتى يتقرب إلى الله بما نهاه الله عنه وهو يحسب أنه يعظم الله وأنه بذلك يحسن صنعا.
ومن تلك البدع على سبيل المثال صلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى في أول خميس في رجب بين صلاتي المغرب والعشاء. وقد أنكرها جمع من علماء المسلمين من المذاهب الأربعة وغيرهم وصرحوا بأنها بدعة محدثة، وأغلظ بعضهم القول في شأنها حتى قال النووي رحمه الله “قاتل الله واضعها ومخترعها، فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة”.
ومن تلك البدع صلاة أم داود في منتصف شهر رجب وهي مما أحدثه الشيعة وزينوه للناس وزعموا أنها سبب تفريج الكربات وفك المسجون ورد الغائب وغير ذلك بغير دليل ولا حجة ولا برهان ولولا أن وسائل التواصل تتناقل هذه البدعة وتروجها لما ذكرتها. ويكفي المسلم أن يعلم أنه ربه قريب مجيب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه في كل وقت وحين وليس في منتصف شهر رجب فقط كما قال تعالى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}. وهل إذا أصابت الإنسان كربة في شعبان ينتظر سنة حتى يدخل رجب ثم يدعو بكشف ضره؟!.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمنا أدعية خاصة تناسب المكروب كقوله صلى الله عليه وسلم : ” دعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ «اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» رواه أبو داود. وفي الصحيحين عن ابن عباس أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ». والمقصود أننا لسنا بحاجة إلى الكذب على الله وعلى رسوله ولا إلى الزيادة في الدين للظفر بمطلوب أو النجاة من مرهوب فديننا كامل واف بذلك كله والحمد لله.
ومن البدع في شهر رجب اعتقاد بعض الناس أنه تشرع فيه زيارة الأموات من الأهل والأقارب والأحباب وتشرع فيه زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور شهداء بدر وأحد في المدينة وهذا أيضاً من البدع المحدثة فزيارة قبور المسلمين للسلام على أهلها والدعاء لهم وللاتعاظ وتذكر الآخرة مشروعة في كل وقت لقوله صلى الله عليه وسلم (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) رواه ابن ماجه. فزيارتها مندوبة في كل وقت لا تخصص بشهر رجب ولا بيوم الجمعة ولا بيوم عيد. وأما إذا كانت زيارتها تحتاج إلى السفر فالسفر لزيارة القبور من البدع المحدثة التي ليس عليها دليل معتبر عند أهل العلم.
ومن البدع المحدثة في شهر رجب الاحتفال فيه بليلة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين منه، والاحتفالات بالمناسبات الدينية كالمولد والهجرة والغزوات وغيرها كلها احتفالات مبتدعة مخترعة محدثة لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا من عمل السلف الصالح وما كان كذلك فكيف يطيب لقلب المؤمن أن يتقرب إلى الله به؟.
ثم أين الدليل على الجزم بأن الإسراء والمعراج كان في رجب وأين الدليل على الجزم بأنه كان في السابع والعشرين منه ؟ لن تجد إلى ذلك سبيلاً للاختلاف الكبير بين العلماء في تعيين العام والشهر واليوم لتلك الحادثة العظيمة.
فاتقوا الله عباد الله واحفظوا دينكم من الزيادة فيه والنقص منه ومن التشريع في الدين ما لم يأذن به الله قال تعالى متوعداً من فعل ذلك {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن شهر رجب وإن كان أحد الاشهر الحرم إلا أنه لا يخصص بعبادة قولية ولا عملية إلا بدليل شرعي ولم يرد دليل على ذلك كما قال ابن حجر رحمه الله “لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رُوِّيْناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رُوِّيْناه عن غيره”.
فلا تتناقلوا الرسائل التي تحثكم على عبادة معينة مختصة بهذا الشهر وحتى الدعاء الوارد بلفظ (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) لم يصح فيه الحديث فلا يجوز نشره مجزوما بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن لو دعا به المسلم على أنه من جملة الأدعية دون اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ودون اعتقاد أن له فضيلة خاصة فلا بأس كما أوضح ذلك أهل العلم والعرفان.
اللهم فقهنا في دينك وعلمنا تاويل كتابك وارزقنا التمسك بالكتاب والسنة وأدخلنا برحمتك ووالدينا الجنة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
نفع الله بك واعانك الله على نشر الخير
وفقك الله شيخنا الفاضل لما يحب ويرضى
جزاكم الله خيراً ونفع بكم الإسلام والمسلمين
بارك الله فيك ونفع بك الاسلام والمسلمين