إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فقد بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم معلماً يعلم الناس الخير وهادياً يهدي إلى الرشد كما قال تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وقال صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» رواه مسلم.
وكان أحرص ما يكون عليه الصلاة والسلام على تعليم الناس صلاتهم لأنها ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين وهي الصلة بين العبد وربه فيعلمهم أركانها وواجباتها وسننها بأقواله وأفعاله.
ومما كان يعنى به تعليمهم كيفية التشهد في الصلاة حتى قال ابن عباس : « كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ» رواه مسلم. وقال ابن مسعود «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ» متفق عليه.
والتشهد من العبادات القولية العظيمة التي شرعت في الصلاة ففي كل صلاة رباعية وثلاثية تشهدان وفيما دونها تشهد واحد.
وللتشهد ألفاظ ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أتى بشيء مما صح عنه صلى الله عليه وسلم أجزأه.
ومن أشهر ألفاظ التشهد ما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»
فمعنى التحيات لله: أي كل التعظيمات القلبية والقولية والعملية هي مستحقة لله تعالى فلا شيء أعظم ولا أكبر ولا أجل من الله عز وجل هو مالك الملك وملك الملوك وهو الحي الذي لا يموت وهو المتفرد بصفات الجلال والكمال وهو المستحق وحده للعبادة فهو المعبود بحق في السماء وفي الارض لا شرك له ولا ند له.
ومعنى الصلوات: أي أن الصلوات كلها فرضها ونفلها لا تؤدى إلا لله كما قال تعالى (فصل لربك وانحر)
والصلوات ايضاً الدعوات فالدعوات كلها لا تصرف إلا لله تعالى فلا يصلى إلا لله ولا يدعى إلا الله كما قال تعالى (ادعو ربكم تضرعاً وخفية)
فمن دعا غير الله كعلي والحسين ونفيسة وزينب وغيرهم أو ركع أو سجد أو صلى لهم فقد اتخذهم شركاء مع الله في العبادة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (والطيبات لله) أي أن الله تعالى لا يقول إلا طيباً ولا يفعل إلا طيباً ولا يقبل إلا الطيب من أقوال عباده وأعمالهم وهو ما كان خالصاً لله موافقاً لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) رواه مسلم.
وبعد أن شرع الله تعظيمه والثناء عليه ثنّى بحق نبيه صلى الله عليه وسلم فشرع لنا الدعاء له بالسلام والرحمة والبركات فنقول (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فندعو له بالسلامة من الله لأن الله هو السلام وهو المسلِّم غيره من آفات الدنيا والبرزخ وما يكون بعد البعث والنشور.
وهو المسلَّم من الصفات الذميمة فله من الأخلاق أحسنها ومن المكارم أعلاها وأسناها كما قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم).
وحين ندعو له عليه الصلاة والسلام بضمير المخاطب (عليك) فلا نقصد التوجه إليه بالمخاطبة لأنك لو كلمت أحداً في ص لاتك عالماً متذكراً متعمداً بطلت صلاتك. ومما يدل على أنه ليس المقصود مخاطبته بذلك وإنما الدعاء له أن الصحابة وهم يصلون معه ووراءه وبجواره لم يكونوا يرفعون أصواتهم بالصلاة عليه في التشهد ليسمعوه كما يجهرون بها إذا أتوه ليسمعهم ويرد عليهم بل كانوا يسرون بها في التشهد كما يسرون بسائر الأدعية والأذكار التي فيها.
ومن فوائد وحكم تشريع السلام عليه عليه الصلاة والسلام أن نفطن أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد من عباد الله يسلم عليه ويدعى له ولا يدعى ولا يعبد مع الله تعالى ، فما أعظم الجهل والظلم الذي يرتكبه بعض المفتونين بالقبور حين يأتون قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسألونه الولد والزوج والشفاء والغنى والشفاعة والجنة وغير ذلك من حاجاتهم أو ينادونه بذلك ويدعونه من أقطار الأرض والله المستعان.
ثم بعد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم نسلم على أنفسنا وعلى عباد الله الصالحين فنقول (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) أي على أنفسنا وعلى الحاضرين معنا وعلى الصالحين من عباد الله قال صلى الله عليه وسلم «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ففيه شرف الصالحين من أهل السماء والأرض ومن الأحياء والأموات وممن سيولد مستقبلاً حيث ادخر الله لهم هذا الفضل من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.
اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين واجعلنا من ورثة جنة النعيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمنا في التشهد أن نسلم على أنفسنا وعلى عباد الله الصالحين علمنا بعد ذلك أن نشهد لله بالوحدانية ونشهد له بالعبودية والرسالة فقال «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»
وهي أعظم شهادة وبها سمي التشهد تشهداً. فمعنى أشهد أن لا إله إلا الله أي أعلم وأقر وأعترف أنه المستحق وحده للعبادة كما قال تعالى (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) فلا أحد من الخلق كائناً من كان يستحق مثقال ذرة من العبادة بل عبادة غيره هي الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر وأعظم المناهي، وأشنع المعاصي.
ومعنى (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) أي أعلم وأقر وأعترف أن محمد بن عبدالله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي عبد الله ورسوله أرسله إلى الثقلين الإنس والجن وأنه خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين وأنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وأنه لا يُعبد الله إلا بما شرع. قال تعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) وقال تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً).
وهو أكمل الخلق عبودية لله جل وعلا ولذلك نوه الله بعبوديته له في أشرف المقامات كما نوه بها في سياق الامتنان عليه بالإسراء وتنزيل الكتاب وتنزيل الفرقان، ومعنى ذلك أنه لا يجعل شريكا مع الله في العبادة فلا يدعى ولا يعبد مع الله كما تقدم التنبيه عليه.
فلنصلِّ عباد الله ونحن نتأمل هذه المعاني العظيمة التي تزكي القلب وتملأه إيماناً وتوحيداً وإجلالاً وتعظيماً لجلال من نقف بين يديه.
اللهم اجعل الصلاة قرة لأعيننا وراحة لقلوبنا واجعلها خالصة لك موافقة لهدي نبيك صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلها ناهية لنا عن الفحشاء والمنكر ونجاة لنا ونوراً وبرهاناً يوم القيامة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقك إمامنا وولي عهده لما فيه رضاك. اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.