إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أفرض الفروض بعد الشهادتين إقامةُ الصلوات الخمس المفروضة فقال صلى الله عليه وسلم : «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» متفق عليه.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر فقال صلى الله عليه وسلم «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه أحمد وغيره.
وجعل الله تعالى شرط الأخوّة الدينية بيننا وبين الكفار أن يتوبوا من الكفر ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فقال تعالى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] فمن لم يقم الصلاة فلا أُخوّة بينه وبين المسلمين في الدين. وترك الصلاة من أشد ما يُعذّب به أهل النار فقال تعالى عن أهل النار أنهم يُسألون فيقال لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] فيفتتحون جوابهم قائلين {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42]
عباد الله إن الخلائق تدعى يوم القيامة للسجود لرب العالمين فلا يستطيع تارك الصلاة ولا من كان يصلي نفاقاً أن يسجد لرب العالمين عقوبة له وفي ذلك يقول تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} أي قد كانوا ينادون إلى الله الصلاة فلا يصلون ولا يسجدون لله بدون علّة تمنعهم فاليوم لا يمكنهم الله من السجود له في ذلك المقام العظيم جزاء وفاقاً والعياذ بالله. وقال عمر بن الخطاب (لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة) رواه البيهقي.
وأما من حافظ على الصلاة في الدنيا فليبشر بالخير العظيم فإن المحافظة عليها من أكبر علامات الإيمان ومن أكبر أسباب الفلاح وأسباب الفوز بالجنة قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ثم قال تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقال تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}. وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف” رواه أحمد. قال ابن عبدالهادي إسناده جيد.
ومن فضائل الصلاة أنها عون للعبد على أمر دينه ودنياه قال تعالى {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} كما أنها عون عظيم على تربية النفس وتزيينها بمحاسن الأخلاق وتنقيتها من مساوئ الأخلاق قال تعالى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. ولكن إنما يكون للصلاة ذلك الأثر إذا أديت بخشوع وحضور قلب أما الصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب فهي أشبه شيء بالشجرة الميتة التي لا حياة فيها ولا ثمرة لها.
ومن فضائل الصلاة أن الله تعالى يكفر بها الخطايا إذا اجتنبت الكبائر ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» متفق عليه. فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على الصلوات الخمس في مواقيتها ولا يشغلنكم عنها مال ولا ولد ولا وظيفة ولا تجارة ولا لهو ولا كسل. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن الصلاة فرض عين على كل مسلم ومسلمة لا تسقط عنه بحال ما دام عقله معه، يجب على المسلم أن يؤديها ذكراً كان أو أنثى صحيحاً كان أو مريضاً مقيما ً كان أم مسافراً آمنا كان أم خائفا.
ومما يختص به الرجل عن المرأة في أحكام الصلاة أن الرجل يجب عليه أن يؤدي الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين في المساجد. في بيوت الله التي قال فيها سبحانه {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
وقد أمر الله تعالى المسلمين أن يصلوا جماعة في حال الحرب والخوف فكيف بحال الأمن والطمأنينة قال تعالى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} الآية.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الأعمى أن يصليها في الجماعة فكيف بالبصير فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : “أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» رواه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له، إلا من عذر» رواه أبوداود وابن ماجه.
وكان التخلف عن صلاة الجماعة في زمن الصحابة علامة على النفاق قال ابن مسعود رضي الله عنه «لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةِ»، وَقَالَ: «إِنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنَ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ» رواه مسلم.
ويستفاد من هذا الأثر أن التخلف عن صلاة الجماعة من غير عذر شرعي علامة من علامات النفاق والعياذ بالله تعالى.
فحافظوا على الصلاة المفروضة أشد المحافظة وحافظوا على الصلاة مع الجماعة ومروا أبناءكم بأدائها مع الجماعة وشجعوهم عليها وأدبوهم الأدب البالغ على تضييعها والتهاون فيها لقوله صلى الله عليه وسلم (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) رواه أحمد وابو داود.
وتعاهدوا نساءَكم وبناتِكم على أدائها في البيوت. وإن استأذنت المرأةُ أن تصليها في المسجد فلا تمنع منه وصلاتها في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد. لقوله صلى الله عليه وسلم «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» رواه أبو داود.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.