العنوان : التذكير ببعض الأحكام المناسبة في ختام شهر رمضان (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
أما بعد: فإننا ونحن نترقب انتهاء شهر رمضان لنسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يتقبل منا فيه الصالحات وأن يتجاوز عن التقصير والزلات وأن يعيده علينا وعليكم أعواماً عديدة وأزمنة مديدة إنه سميع مجيب الدعوات .
عباد الله إن تعالى شرع لعباده في ختام هذا الشهر الكريم عبادات جليلة ومنها زكاة الفطر. وهي طعام يخرجه المسلم عن نفسه وعمن يمونهم ، شرعها الله لحِكَم بالغة ومنها:
أولاً: أن تكون طهرة للصائم من اللغو والرفث الذي حصل منه في هذا الشهر
ثانياً: لتكون شكر لله تعالى على نعمة إتمام صيام الشهر وإكماله.
ثالثاً: لتكون مواساة للفقراء والمساكين في يوم العيد حتى لا ينشغلوا فيه عن مشاركة إخوانهم صلاتهم وفرحتهم بطلب القوت والبحث عنه.
وصدقة الفطر واجبة على من ملك صاعاً من طعام زائداً عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقتهم يوم العيد وليلته، والدليل على وجوبها ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة). فقوله (فرض) دليل على وجوبها لأن الفرض معناه الإيجاب والإلزام. وتخرج صدقة الفطر من قوت البلد سواء من الأصناف المذكورة في الحديث أو من غيرها إذا كان قوت أهل البلد من غير هذه الأصناف حباً كان كالأرز والذرة أو ثمراً كالتين ونحوه. ومعنى القوت ما يقوم به البدن من الطعام.
وأما إخراجها نقوداً فلا يجوز وهو قول جمهور أهل العلم وهو الفتوى في هذه البلاد، بل يجب أن تخرج طعاماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها من الطعام فلا تترك سنته لقول أحد، قال الإمام أحمد : لا يعطي القيمة. قيل له: قوم يقولون إن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة؟ قال: يَدَعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان، وقد قال ابن عمر : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام .. الحديث.
وإذا كان المسلم في بلد يجبر فيها على إخراج زكاة الفطر نقوداً دفعها إليهم نقوداً ثم يخرجها سراً من الطعام، ولا يجوز له أن يبارز ولاة الأمور بالمخالفة درءاً للفتن. نص عليه العالم الناصح محمد بن عثيمين رحمه الله.
ووقت وجوبها: غروب الشمس آخر ليلة من شهر رمضان، فمن ولد له ولد قبل غروبها أخرج عنه وكذا إذا أسلم الكافر قبل غروبها أخرجها عن نفسه، وأما إذا أسلم بعد الغروب أو ولد المولود بعد الغروب أو مات المسلم قبل الغروب فلا تلزمهم لأنهم لم يدركوا وقت وجوبها. وتؤدى زكاة الفطر قبل الخروج لصلاة العيد لحديث ابن عمر (أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة).
ولا حرج أن تؤدى قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة كما دلت السنة الصحيحة. ومن بكّر في إخراجها قبل ذلك أعادها مرة أخرى.
فاجتهدوا في إخراجها من أحب الأصناف اليكم وأَنفسها عندكم لقوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وتحروا بها الفقراء والمساكين، وتحروّا الوزن فإن الكمية قد تكون أقلّ من المقدار المكتوب فلا تبرأ الذمة حتى يُكمّل النقص.
ولا بأس بإعطائها الفقير المسلم في خارج البلد الذي أنت فيه إذا كان أشد حاجةً وفاقةً أو لم تعرف مستحقا في المكان الذي أنت فيه.
ومن ملك زكاة الفطر من الفقراء فالأمر إليه إن شاء أكل وإن شاء باع وإن شاء أهدى ، وإن شاء تصدق.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه يشرع في آخر هذا الشهر المبارك شهرِ رمضان الاجتهاد فيما تبقى من لياليه تأسياً بسيد البشر وتحرياً لليلة القدر فإن الله أخفى موعدها حتى يجتهد العباد في العشر كلها.
وإذا رؤي هلال شوال أو أكملت عدة رمضان ثلاثين شرع تكبير الله كما قال تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) فيبدأ التكبير من ثبوت دخول شوال حتى يدخل الإمام المصلى ، ومن السنن المؤكدة وشرائع الإسلام الظاهرة وسنن السلف المأثورة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان الجهر بالتكبير في البيوت والأسواق والطرقات فقد كانوا يجهرون به ويأمرون الناس بالجهر به ويحثونهم عليه.
عباد الله:
إن صلاة العيد شأنها عظيم فلا ينبغي التخلف عنها وهي فرض كفاية وقال بعض العلماء بوجوبها على كل مسلم، ومما يدل على عناية الشريعة الإسلامية بها أمره صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج إليها حتى المرأة الحائض فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ، قَالَتْ : “أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى ، الْعَوَاتِقَ ، وَالْحُيَّضَ ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ ، قَالَ : لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا” متفق عليه. فالحائض وإن كانت تخرج للعيد لكنها تجلس خلف النساء في المصلى، وإن كانت الصلاة في المسجد فتجلس خارج المسجد فتسمع التكبير والخطبة والدعاء. كما يجب أن يُعلم أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج للصلاة أو لغيرها متبرجة متعطرة اتباعا للأدلة، واجتناباً لأسباب الفتنة.
ومن سنن يوم عيد الفطر أن يأكل تمرات وتراً قبل خروجه إلى الصلاة، لقول أنس رضي الله عنه : “كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات” “ويأكلهن وترا” رواه البخاري.
كما يشرع في العيدين الفطر والأضحى جميعاً أن يخرج إلى الصلاة من طريق وأن يعود إلى بيته من طريق آخر تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في صحيح البخاري وغيره. فقهني الله وإياكم في دينه ورزقني وإياكم العمل به.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا بتوفيق وأيده بتأييدك، اللهم وفق ولي عهده الأمبر محمد بن سلمان وانصر به الإسلام والسنة واكتب على يديه العز والرخاء والتمكين لهذه البلاد خاصة وللمسلمين عامة يا أرحم الراحمين.
اللهم اجز الأمير محمد بن نايف خير الجزاء على ما قدمه من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين، في الداخل والخارج، واجعل حربه للخوارج والمفسدين من خير أعماله عندك يا رب العالمين، اللهم كما بسط الأمن في ربوع البلاد فاملأ قلبه سعادة وأمناً وطمأنينه، وكما وقانا بنفسه ورجاله أهل الشرور والفساد فاكفه شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار، اللهم متعه بالصحة والعافية والعمر المديد في طاعتك يا رب العالمين.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وتجاوز عن ذنوبنا وزلاتنا .اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه وقيامه، ورحمته فغفرت له زللـه وإجرامه. اللهم إنا نسألك الفوز بجناتك والنجاة من نيرانك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله صحبه أجمعين.