جديد الإعلانات :

العنوان : التعليقات المختصرة على حائية ابن أبي داود رحمه الله – 2

عدد الزيارات : 2130

قوله رحمه الله:

10-  وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه … وكلتا يديه بالفواضل تنفح

التعليق:

قوله (وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه) قد : للتحقيق وليست للتقليل، لأن الأصل في الجهمية الإنكار والتعطيل (أيضاً) أي : إضافة لإنكار الرؤية (يمينه) عبّر باليمين عن اليدين لأن كلتا يدي الله يمين ولذا قال ( كلتا يديه) يعني اليمين واليد الأخرى (بالفواضل) أي بالفضل والعطاء والجود والإنعام (تنفح) أي تجود .

في هذا البيت يقرر الناظم رحمه الله إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى وعقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بأن لله عز وجل يدين تليقان بجلاله وكماله لثبوت هذه الصفة الكريمة في الكتاب والسنة.

فمن أدلة القرآن على إثبات صفة اليدين لله تعالى :

قوله جل جلاله (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) [المائدة: 64] الآية، وقوله سبحانه وتعالى (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) [ص: 75] وقوله سبحانه وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) [يس: 71]

ومن أدلة السنة النبوية:

  • حديث أبي هريرة رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض – أو القبض – يرفع ويخفض» متفق عليه.
  • حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك» رواه مسلم.
  • حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد: أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون} متفق عليه
  • حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده، وقبض بيده فجعل يقبضها ويبسطها» ، ثم يقول: «أنا الجبار، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» ، قال: ” ويتميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه ابن ماجه.
  • حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” احتج آدم وموسى عليهما السلام عند ربهما، فحج آدم موسى، قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنته، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض، فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق، قال موسى: بأربعين عاما، قال آدم: فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى، قال: نعم، قال: أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فحج آدم موسى» رواه مسلم.
  • حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ” خلق الله عز وجل أربعة أشياء بيده: آدم عليه السلام , والعرش , والقلم , وجنات عدن , ثم قال لسائر الخلق: كن فكان ” رواه الآجري في الشريعة (3/ 1182)
  • حديث عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل خلق ثلاثة أشياء بيده، خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده» رواه الدارقطني في الصفات.
  • تنبيهلا تعارض بين النصوص في عدد الأيدي فهما يدان كما صرح به سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وذكرها بصيغة الجمع من باب التعظيم وذكرها بصيغة المفرد المضاف ، لأن المفرد المضاف يفيد العموم .
  • تنبيه :

أكثر الروايات على تسمية إحدى اليدين باليمين وإطلاق الأخرى على الثانية كما في الحديث (وبيده الأخر.(

ونص بعض الرواة على تسمية الأخرى بالشمال كما في صحيح مسلم . وإذا ثبت تسميتها بالشمال فهذا بالنسبة إلى اليمين فلا تعارض قوله صلى الله عليه وسلم (وكلتا يدي ربي يمين) الحديث . فإنه إذا كانت شمال المخلوق دون اليمين في الرتبة فإن كلتا يدي الله يمين في الفضل والكرم والإجلال .

  • موقف أهل البدع في صفة اليدين :

أنكرت الجهمية صفة اليدين ومنهم من أوّلها بالقوة ومنهم من أوّلها بالنعمة ، هروباً من التشبيه في زعمهم ، ومن أهل البدع من غلا في الإثبات حتى زعم أن يد الله مثل أيدينا ، وكلا القولين باطل والقول الصحيح هو قول أهل السنة لأدلة الكتاب والسنة المتقدمة وما جاء في معناها.

والرد عليهم كما يلي:

أولاً: الرد على من شبه يد الله بيد خلقه:

قال تعالى : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ، وقال تعالى : (ولم يكن له كفوا أحد) وقال تعالى (هل تعلم له سمياً) وهذه الآيات الثلاث كلها تنفي عن الله أن يكون له من خلقه مثيل، أو كفو، أو سَمي وهو المِثل والنظير.

ثانياً: الرد على أهل التأويل:

أ_ من أوّل اليد بالقدرة في قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي) يقال له:

إن القدرة واحدة وليست اثنتين كما قال تعالى (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).

ثم لو كان آدم مخلوقاً بالقدرة فقط لما كان له فضل على إبليس ولساغ لإبليس أن يقول وأنا خلقتني بقدرتك ، فليس له فضل علي.

ويقال لهم أيضاً إن العرب إذا أدخلت الباء على اليد كقوله ( بيدي ) فإن المعنى لا يكون إلا أنه باشر الأمر بيده . أما إذا أضافت الكسب أو العمل إلى اليد دون الباء كما في قولك هذا ما كسبته يداك فالمقصود عملك سواء باشرته بيدك أو بجارحة أخرى ، ومع ذلك فلا يقال لشيء هذا ما كسبته يداه إلا ويلزم أن يكون له يدٌ حقيقة ، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى : ( أولم يرو أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون ) فليس المعنى أن الله باشر خلق الأنعام بيده وإنما خلقها بكلمة ( كن ) وإنما أضافها إلى الأيدي من باب إضافة العمل إلى سببه غالباً  على الأسلوب العربي المعروف ، ومنه في القرءان قوله تعالى : (مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى: 30]  الآية . والمعنى : بما عملتم ، أي سواء بقلوبكم أو بألسنتكم أو بفروجكم أو بغيرها ، ولكن هذه الإضافة لا تكون إلا لما له يد حقيقة كما تقدم قريباً.

ب_    أما من أوّل اليد بالنعمة في قوله تعالى : ( بل يداه مبسوطتان) الآية فيقال له: إن نعم الله عز وجل ليست اثنتين ولا ثلاث بل هي  كما قال سبحانه وتعالى ( وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها..) الآية، أي لكثرتها.

نسأل الله أن يرزقنا فهم عقيدة السلف الصالح والتمسك بها إلى يوم نلقاه.

 11- وقل ينزل الجبار في كل ليلة .. بلا كيف جل الواحد المتمدح

 12- إلى طبق الدنيا يمن بفضله … فتفرح أبواب السماء وتفتح

13-  يقول ألا مستغفراً يلق غافراً … ومستمنح خيراً ورزقاً فأمنح

14- روى ذاك قومٌ لا يرد حديثهم… ألا خاب قومٌ كذبوهم وقُبِّحوا

التعليق:

قوله (وقل ينزل) أي قل بلسانك مع تصديقك بالقلب مصرح به داعياً إليه ، (ينزل الجبار)  الجبار من الجبر وله في اللغة ثلاثة معان:

الجبر بمعنى القهر، والجبر بمعنى الإصلاح كجبرَ العظمَ أي أصلحه ، والجبر بمعنى العلو يقال نخلة جبّارة أي عظيمة عالية.

والله تعالى هو القاهر فوق عباده وهو جابر القلوب المنكسرة ، ومصلح أحوال عباده . وهو الظاهر العلي الذي ليس فوقه شيء تعالى شأنه وتقدست أسماؤه.

(وقل ينزل الجبار) أي نزولاً حقيقياً يليق بجلاله بلا كيف ( في كل ليلة ) أي في الثلث الأخير من الليل أو إذا ذهب نصف الليل وهذا بالنسبة لكل بلد بحسبهم، ولا يقال إن ثلث الليل الأخير لا ينقطع أبدا فحيث ينتهي في بقعة من الأرض يبدأ في التي تليها، فإن الله تعالى لا يقاس بخلقه ولا يشبه نزوله نزول غيره.

( بلا كيف ) أي لا يشبه نزول المخلوق فإن المخلوق إذا نزل من مكان عال صار ذلك المكان فوقه والله عز وجل ليس فوقه شيء هو العلي الأعلى، فالإيمان بالنزول كالإيمان بسائر الصفات إيمان بمعنى النزول دون كيف.

قوله ( جل الواحد المتمدح ) أي تعاظم وتعالى أن يكون له شبيه في ذاته أو صفاته أو أفعاله.

( إلى طبق الدنيا ) أي إلى السماء الدنيا كما ثبت في الأحاديث الآتي ذكرها.

( يمن بفضله * فتفرج أبواب السماء وتفتح *  يقول ألا مستغفر يلق غافراً * ومستمنح خيراً ) أي طالب خير ورزق ( فأمنحُ ) أي أعطيه ما سأل .

يشير بذلك إلى ما ورد في الحديث من أن الله عز وجل يقول ( ألا مستغفر فأغفر له ألا سأل فأعطيه … ) الحديث .

قال الناظم : ( روي ذاك قومٌ لا يرد حديثهم )

يشير إلى استفاضة الأحاديث التي تدل على النزول ( لا يُردُّ حديثهم ) لصدقهم وعدالتهم وثقتهم وتعددهم، مع أنه لو لم يثبت فيه إلا حديث واحد لوجب التصديق به.

ومن الأدلة الواردة في النزول الأحاديث التالية:

  • حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ” متفق عليه.

2- حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول، نزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر ” أخرجه مسلم .

  • حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ان الله عز و جل يفتح أبواب السماء ثلث الليل الباقي ثم يهبط إلى السماء الدنيا ثم يبسط يده ثم يقول الا عبد يسألني فأعطيه حتى يسطع الفجر” أخرجه أحمد.
  • حديث رفاعة بن عرابة الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه، ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي أحدا غيري، من ذا الذي يدعوني أستجب له، من ذا الذي يستغفرني أغفر له، من ذا الذي يسألني أعطه، حتى ينفجر الفجر”. رواه الآجري والدارقطني والطبراني.

 

ثم قال الناظم: ( ألا خاب قوم ) ألا: أداة تنبيه ( خاب قوم ) أي خسروا وفشلوا ( قوم كذبوهم وقبحوا ) لردهم السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالآراء الفاسدة والحجج المتهافتة يعني بهم المؤلف الجهمية ومن تأثر بهم ممن  أنكروا النزول أو أوّلوه تأويلات باطلة .

فمنهم من يزعم أن الذي ينزل ملك فيقول ذلك، ويا عجبا !! هل يحق لمخلوق مهما كان أن يقول من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له؟ .

ومنهم من يقول: إن الذي ينزل هو الرحمة.

والرد عليهم من وجوه ، ومنها :

  • أن رحمة الله عز وجل لا يختص نزولها بالثلث الأخير بل هي نازلة إلى عبادة في كل وقت وحين.
  • ما نفعُ هذه الرحمة إذا كانت تنزل إلى السماء الدنيا فقط ولا تصل إلى العباد.
  • أن الرحمة صفة لا تقوم بنفسها فكيف تنزل وتتكلم وتبسط يدها؟!

نسأل الله أن يرزقنا اغتنام الأوقات الفاضلة، وأن يلهمنا حسن الدعاء والمسألة، وأن يعطينا من خير ما أعطى صالحي عباده وأفضله. والله أعلم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *