جديد الإعلانات :

العنوان : فضل كلمة التوحيد وبيان معناها

عدد الزيارات : 8971

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتقوا الله أيّها المسلمون، وأطيعوا الله ورسوله لعلكم تفلحون.

أيّها الناس إن الكلمة التي بُنِي عليها دين الإسلام الذي جاءت به الرسل هي “لا إله إلا الله”.  وهي كلمة عظيمة لأجلها أنزل الله الكتبَ وأرسل الرسُلَ وجُرِّدت سيوفُ الجهاد في سبيلِ الله، ونَصب الله لأجلها الميزانَ، وخلق الله الجنّةَ لأهل “لا إله إلا الله”، وخلق النّار لأعدائها، وكفى “لا إله إلا الله” شرفًا ومنزلةً وفضلاً وعُلُوَّ منزلة أنها أعظم وأجلُّ شهادةٍ نوّه بها وشهِد بها أعظم وأجلُّ وأعزّ شاهدٍ وهو ربّ العالمين، ثم شهدَ بها الملائكة وأولو العلم، قال الله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]. وهي أوّلُ شيء دعت إليه الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام أمَمَهم، قال الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

و”لا إله إلا الله” كلمةُ التقوى المنوّه عنها في قوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا

والآيات والأحاديث في فضل هذه الكلمةِ العظيمة أكثرُ من أن يحصيها المقالُ في هذا المقام، وحسبنا أن نشير إلى ذلك إشارةً،  ترغيباً في ثوابها وترهيباً من عقاب مخالفة سبيلها

فممّا ورد في فضلها ما رواه الشيخان من حديث عبادةَ بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه والجنة حقّ والنار حقّ أدخله الله الجنّةَ على ما كان مِن عمل)). وروى مسلم والترمذي من حديثه أيضًا أن النبيَّ  قال: ((من شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله حرّم الله عليه النار)). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبة من الإيمان)). وروى الشيخان عن أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي  قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشرَ مرات كان كمن أعتق أربعةَ أنفس من ولد إسماعيل)). ولهما عن أبي هريرة أن النبيَّ  قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائةَ مرة في أوّل يومِه كُنّ كعدلِ عتقِ عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، وكانت حرزًا له من الشيطان يومَه ذاك)).

وهذه الكلمة الجليلة الكبيرة المعاني لا تنفع صاحبها إلا بشروط ومن شروطها العلم بمعناها كما قال تعالى  ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]. وأن يقولَها موقنًا بها من غير شك كما قال صلى الله عليه وسلم  : ((من قال: لا إله إلا الله موقنا بها دخل الجنة)). وأن يقولها مخلِصًا من قلبه لا رياء وسمعة، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعدُ الناس بشفاعتِك؟ قال: ((من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ـ أو: نفسه ـ). وأن يقولها العبد صادقاً لا كاذبا منافقاً لقوله صلى الله عليه وسلم  ((لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صِدقًا من قلبه ثم يسدِّد إلا دخل الجنة)). وأن يقولها محباً لله ولرسوله وللتوحيد وأهله مبغضاً للشرك وأهله  ، منقاداً لله بفعل أوامره واجتناب نواهيه راضياً بشرعه.

إن لا إله الا الله هي مفتاح الجنة ولكن كما قال بعض السلف المفتاح بلا أسنان لا يفتح الباب وأسنان هذا المفتاح هو العمل بما اقتضته هذه الكلمة من إفراد الله بالعبادة والبراءة من عبادة ما سواه والقيام بالأوامر واجتناب النواهي.

نسأل الله أن يحيينا على التوحيد وأن يميتنا على التوحيد إنه سميع مجيب .

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية:

الحمد لله الملِك القدوس السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله بعثَه الله بالرحمة والتوحيد ومكارم الأخلاق، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه الكرام.

أمّا بعد:

فإن معنى كلمة التوحيد هو أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده وأن كل ما يعبد من دون الله فعبادة باطلة ولو كان المعبود ملكاً أو رسولا أو نبياً أو عبداً صالحاً فضلا عن الأشجار والأحجار والكواكب قال تعالى (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل) ولما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من قريش أن يقولوها رفضوا لأنهم عرفوا أن معناه إفراد الله بالعبادة وترك عبادة سائر الألهة التي كانوا يعبدونها كاللات والعزى ومناة وغيرها. لذا قالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 4، 5]

وأما القول بأن معناها لا خالق إلا الله فتفسير غير صحيح وإن كانت الكلمة في نفسها صحيحة فإنه لا خالق إلا الله ولكن الغلط في جعلها تفسيراً لكلمة التوحيد لأن من قال لا خالق الا الله وهو يعبد مع الله الهة أخرى ما نفعته تلك الكلمة لأن المشركين كانوا يقولون لا خالق الا الله فلم تنفعهم لعبادتهم غير الله.

وهكذا ما يردده وعاظ جماعة التبليغ والأحباب أن معنى هذه الكلمة هو إخراج اليقين الفاسد من القلب وإدخال اليقين الصحيح كذلك هو تفسير باطل لأنهم يفسرون هذه الكلمة بتوحيد الربوبية فقط ولذا يواصلون شرحهم لها فيقولون إن الشافي هو الله وأن الطبيب سبب ، وهذا كلام صحيح في نفسه ولكن لا يصلح أن يكون تفسيراً لكلمة التوحيد فمن اعتقد ان الشفاء بيد الله ولكنه يتعلق بالأولياء والأضرحة والصالحين يستغيث بهم ويتقرب لهم لم ينفعه اعتقاده أن الله هو الخالق والشافي والمدبر للأمر كله.

وهكذا ما يقرره ويردده دعاة الحركات السياسية والثورية من أن معناها لا حاكمية إلا لله هو ايضاً تفسير باطل غير صحيح ولا شك أن الحكم لله كما قال تعالى (إن الحكم إلا الله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه) وكما قال (فالحكم لله العلي الكبير) ومن أطاع أحداً في تحليل الحرام أو تحريم الحلال فقد أشرك بالله.

ولكن لا يصح تفسير هذه الكلمة بهذا المعنى فالتحاكم إلى الله جزء من العبادة فهل يقال إن معنى لا إله الا الله لا ذبح إلا لله فقط فأين ذهبت بقية العبادات لو ذبح الإنسان لله لكنه ينذر لغير الله ويدعو غير الله فهل ينفعه ذلك لا ينفعه حتى يخلص كل عباداته لله.

وهؤلاء يكررون كثيراً أنه لا حاكمية إلا لله ولكنهم لا يبالون بشرك القبور والأضرحة وصرف العبادات لغير الله يرونها بأم أعينهم في مساجدهم ودورهم وأحيائهم فلا ينكرونها لأن القضية عندهم ليست في إفراد الله بالعبادة و إنما القضية الكبرى عندهم هي منازعة الحكام والاستيلاء على السلطة. وماذا ينتظر ممن يتولى الحكم باسم الإسلام وهو لا يعرف أصل الإسلام وأساسه الذي هو إفراد الله بالعبادة لن ينتظر منه إقامة حكم الله كما شرع الله عز وجل بل سيحكمون الناس بالأهواء والظلم والبدع والمحدثات في دين الله.

أيها المسلمون، حقِّقوا معاني هذه الكلمة العظيمة، واعتنوا بها فهي هداكم ورشدكم وسعادتكم وأمنكم في هذه الدنيا وهي خلاصكم ونجاتكم من النار هي فلاحكم وفوركم وظفركم بجنة عرضها السموات والأرض في دار القرار.

اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين..

3 comments

  1. جزاكم الله خيرا .. قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “ومن ذلك ما يجدونه من ثمرة التوحيد والإخلاص. والتوكل والدعاء لله وحده فإن الناس في هذا الباب على ثلاث درجات:” منهم ” من علم ذلك سماعا واستدلالا.” ومنهم ” من شاهد وعاين ما يحصل لهم.و ” منهم ” من وجد حقيقة الإخلاص والتوكل على الله الالتجاء إليه والاستعانة به، وقطع التعلق بما سواه وجرب من نفسه أنه إذا تعلق بالمخلوقين ورجاهم وطمع فيهم أن يجلبوا له منفعة أو يدفعوا عنه مضرة فإنه يخذل من جهتهم، ولا يحصل مقصوده؛ بل قد يبذل لهم من الخدمة والأموال وغير ذلك ما يرجو أن ينفعوه وقت حاجته إليهم فلا ينفعونه: إما لعجزهم وإما لانصراف قلوبهم عنه، وإذا توجه إلى الله بصدق الافتقار إليه واستغاث به مخلصا له الدين؛ أجاب دعاءه؛ وأزال ضرره وفتح له أبواب الرحمة. فمثل هذا قد ذاق من حقيقة التوكل والدعاء لله ما لم يذق غيره.وكذلك من ذاق طعم إخلاص الدين لله وإرادة وجهه دون ما سواه؛ يجد من الأحوال والنتائج والفوائد ما لا يجده من لم يكن كذلك. بل من اتبع هواه في مثل طلب الرئاسة والعلو؛ وتعلقه بالصور الجميلة أو جمعه للمال يجد في أثناء ذلك من الهموم والغموم والأحزان والآلام وضيق الصدر ما لا يعبر عنه. وربما لا يطاوعه قلبه على ترك الهوى ولا يحصل له ما يسره؛ بل هو في خوف وحزن دائما: إن كان طالبا لما يهواه فهو قبل إدراكه حزين متألم حيث لم يحصل. فإذا أدركه كان خائفا من زواله وفراقه. وأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ فإذا ذاق هذا أو غيره حلاوة الإخلاص لله، والعبادة له، وحلاوة ذكره ومناجاته، وفهم كتابه، وأسلم وجهه لله وهو محسن بحيث يكون عمله صالحا، ويكون لوجه الله خالصا؛ فإنه يجد من السرور واللذة والفرح ما هو أعظم مما يجده الداعي المتوكل الذي نال بدعائه وتوكله ما ينفعه من الدنيا، أو اندفع عنه ما يضره؛ فإن حلاوة ذلك هي بحسب ما حصل له من المنفعة أو اندفع عنه من المضرة، ولا أنفع للقلب من التوحيد وإخلاص الدين لله، ولا أضر عليه من الإشراك، فإذا وجد حقيقة الإخلاص التي هي حقيقة {إياك نعبد} مع حقيقة التوكل التي هي حقيقة {وإياك نستعين} كان هذا فوق ما يجده كل أحد لم يجد مثل هذا. والله أعلم.” [مجموع فتاوى ابن تيمية:(10/ 650 – 652)]. منقول.

  2. التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه

  3. فضل التوحيد قال ابن القيم رحمه الله :” وكلما كان توحيد العبد أعظم ، كانت مغفرة الله له أتم ، فمن لقيه لا يشرك به شيئا البتة غفر له ذنوبه كلها ، كائنة ما كانت ، ولم يعذب بها.ولسنا نقول: إنه لا يدخل النار أحد من أهل التوحيد ، بل كثير منهم يدخل بذنوبه ، ويعذب على مقدار جرمه ، ثم يخرج منها ، ولا تنافي بين الأمرين لمن أحاط علما بما قدمناه .ونزيد هاهنا إيضاحا لعظم هذا المقام من شدة الحاجة إليه : اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه ، فلها نور ، وتفاوت أهلها في ذلك النور – قوة، وضعفا – لا يحصيه إلا الله تعالى .. وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته ، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ، ولا ذنبا ، إلا أحرقه ، وهذا حال الصادق في توحيده ، الذي لم يشرك بالله شيئا” انتهى من ” مدارج السالكين ” (1/ 338) .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *