من أحكام الدعاء في الصيام وقنوت الوتر | تجربة المملكة العربية السعودية في تعزيز منهج الوسطية والاعتدال ومكافحة الإرهاب | أثر العلم الشرعي في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتماسك المجتمع | العدالة الاجتماعية في ضوء الكتاب والسنة | استقبال شهر رمضان 1446هـ | جهود رجال الأمن ومكانتهم في الإسلام | من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم |

العنوان : وقفات مع حديث حذيفة في الفتن

عدد الزيارات : 21631

(( الخطـبة الأولـى   ))

أما بعد :

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يارسول الله : إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال :  نعم ، قلت : فهل من بعد ذلك الشر من خير، قال:  نعم وفيه دخن قلت : وما دخنه قال : قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت : صفهم لنا يا رسول الله ؟ قال : نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم فقلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) متفق عليه وهذا لفظ مسلم.

عباد الله : هذا حديث جليل عظيم القدر لا يستغني عنه مسلم لا سيما أيام الفتن والمحن إذ هو بيان شاف كاف واف لأسباب السلامة من الفتن وفيه الدلالة الواضحة للطريق التي تخرجك منها.

فمن فهم هذا الحديث فهما مبنيا على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح وعمل بذلك  الفهم  ،الصحيح ولم يغل ولم يجف ولم يفرط كان بإذن الله من السالمين من شر كل فتنة

وسنعرض لبعض مسائله بشيء من الاختصار بما يناسب حال الخطبة وما يشرع فيها من عدم الإطالة.

(( المسألة الأولىً )) تذكر حذيفة لنعمة الله عليهم إذ أنقذهم الله مما كانوا فيه من الشرك والجاهلية والتفرق والخوف فمنّ الله عليهم بنعمة الإسلام والإيمان والأمن واجتماع الكلمة وهذا ظاهر في قوله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ، وهكذا على المسلم أن يتذكر نعمة الله عليه فإن تذكرها مدعاة لشكر الله عليها والحرصِ على دوامها ، وتذكروا أنتم إخوتي في الله ما كانت عليه حال الجزيرة العربية قبل أن يوحدها الله على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله من فشو الجهل والفقر والخوف ووقوع كثير من الناس في البدع والخرافات والشركيات ،  فجمع الله الشمل وجمع الكلمة وصار أعداء الأمس أخوة اليوم متحابين متآلفين ورفرفت راية الأمن على أرجاء البلاد حتى صار المسافر يقطع ما بين اليمن والشام وما بين البحر وللبحر لا يخاف إلا الله . فاللهم أدم نعمتك علينا وأتممها بفضلك وكرمك.

أيها الإخوة إن تذكير الناس بنعمة الله وتذكرهم لها مما أمر الله به . قال تعالى : ( وذكرهم بأيام الله ) قال الراوي: وأيامه (( آلاؤه )) وذكّر الأنبياء أممهم بنعمة الله عليهم كما فعله هود وصالح وغيرهما عليهما السلام فقد قال هود لقومه (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف : 69] وقال صالح لقومه (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)  [الأعراف : 74 ، 75]

وأمرنا الله بتذكر نعمه فقال: ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها  كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) .

(( المسألة الثانية )) وجوب الحذر من دعاة الضلال دعاة النار وبعض الناس يظن أن الدعاة إلى النار هم اليهود والنصارى و الهندوس وأشباههم فقط وهذا قصور في الإدراك وسوء فهم بل إن من دعاة جهنم أقوام هم من أكثر الناس صلاة وصياماً وقراءة للقرآن يتكلمون بأحسن الكلام وأعذبه حتى ترعد له القلوب وتذرف له العيون ومع ذلك هم دعاة على أبواب جهنم وقد وصف الله المنافقين بجمال الصورة وحسن المنطق فقال : (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ). وقال صلى الله عليه وسلم : (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل).

وقال صلى الله عليه وسلم : (( يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول الناس يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية من لقيهم فليقتلهم فإن قتلهم أجر عند الله عز وجل)) وإذا سمع المسلم هذه النصوص علم أن العبرة في الداعية ليس  جمال صورته  ولا تأثير أسلوبه ولا كثرة بكائه على المنابر و ما يسمى بالمحاريب ولا بتحريكه للمشاعر إنما العبرة أن يكون كلامه موافقاً لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولهدي السلف الصالح.

قال الإمام الآجري رحمه الله : ” فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عادلاً كان الإمام أم جائراً فخرج وجمع جماعته وسل سيفه واستحل قتال المسلمين فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ولا بطوله في الصلاة ولا بدوام صيامه ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج . أ.هـ

(( المسألة الثالثة )) أن حذيفة حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المخرج من فتنة دعاة جهنم أمره أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم وهذه الجملة يستفاد منها : أن الدعاة على أبواب جهنم في هذا الحديث المقصود بهم أصالة : الدعاة الذين يهيجون القلوب على ولاة الأمور ويدعون إلى الفوضى والمظاهرات والشغب والانقلابات والثورات ولو كان ذلك تحت شعار إنكار المنكر والغيرة على محارم الله والمطالبة بالحقوق المشروعة فهذه شعارات لا تؤثر في الحكم ولا تجعل الحرام حلالاً ولا المنكر معروفاً بل هي في ذاتها منكر عظيم تُوعد أصحابه بالوعيد الشديد والعياذ بالله.

 وعلى هذا: فعلى المسلم الحريص على سلامة دينه وعقيدته أن يتجنب المحاضرات والأشرطة والمقالات والمنتديات التي تزرع في قلبه الضغينة والحقد والتهييج والكره لولاة أمره ولو صدرت من أعلم الناس في نظره وفي نظر كثير من الناس فما هي إلا دعوة فتنة وما هو إلا داعية فتنة يدعوك إلى جهنم فأقدم أو أحجم وستجد كلٌّ نفس ما عملت.

ويستفاد من هذه الجملة العظيمة من الحديث أن المخرج من فتنة  دعاة جهنم أن تلزم السمع والطاعة لولاة الأمور وأن لا تشارك بقلم ولا لسان ولا قليل ولا كثير في هذه الفتن بل تسعى جاهداً في إخمادها بمناصحة دعاة الفتنة إن أمكن والتحذيرِ منهم بذكر أوصافهم أو بذكر أسمائهم إن اقتضى الأمر وتلك نصيحة وإن سماها المدافعون عن أهل الفتنة غيبة.

وبالتبليغ عمن يسعى في البلاد بالقتل والتفجير والتدمير فإن تبليغك الجهات المسؤولة عن أهل الزيغ والفساد والشر من القربات العظيمة وهو من التعاون على البر والتقوى قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان) .

وقد صدر من قبل بيان عن هيئة كبار العلماء وفيه بيان واضح أن التبليغ عن المفسدين في الأرض هو من التعاون على البر والتقوى كما أن التكتم عليهم من التعاون على الإثم والعدوان وفي الحديث الصحيح (( لعن الله من آوى محدثاً )) .

نسأل الله أن يكف عن بلادنا شرور الخوارج وأصحاب الفتن والبدع المضلة.

أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

(( الخطـبة الثانيــة   ))

 أما بعد :

(( فالمسألة الرابعة )) هي أن المقصود بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم هي أن يلزم المسلم السمع  والطاعة لولي أمره في حدود سلطان ولي الأمر ولو تعددت دول المسلمين وحكوماتهم وليس المعنى أنه لا يسمع ولا يطيع إلا إذا كان للمسلمين حاكم واحد في الأرض كلها.

فإن المسلمين لم يجتمعوا تحت راية حاكم واحد منذ سقوط دولة بني أمية في المشرق أوائل القرن الثاني من الهجرة النبوية واستمر الحال على هذا إلى اليوم ومع ذلك فما زال أئمة السنة في كل بلد يسمعون ويطيعون لمن ولاه الله أمرهم وينصحون لهم ويعطونهم الحقوق التي شرع الله لأولي الأمر.

(( المسألة الخامسة )) لا يدخل في إمام المسلمين وجماعتهم ما عرف بالجماعات الإسلامية اليوم  وقادتُها ، كجماعة الإخوان والتبليغ وجماعات الجهاد وغيرها بل هي من أسباب الفتن والتفرق والشتات والبعد عن منهج السلف الصالح فإنها تشق الكلمة وتنزع بيعة الحاكم ، القائمِ بشؤون البلاد وتأخذ البيعة لقادتها وتأخذ البيعة لإمام مجهول تشبها بالرافضة .

وقد جرّت هذه الجماعات على المسلمين الدمار والخراب والفساد في كل مكان ظهرت فيه وحصل بسببها من الفتن ما لا يعلمه إلا الله كما حصل في مصر أول ما ظهر تنظيم الإخوان وكما حصل في الجزائر من سفك الدماء لما لم يصلوا إلى الحكم وكما حصل بسببهم في أفغانستان لما اختصموا على الكرسي وصار كل منهم يريد أن يستولي هو على الحكم دون غيره وكما يحصل الآن في الصومال وأفغانستان وباكستان وغيرها من الفتن التي يرفع شعارها من يعرف بالإسلاميين.

فهي في حقيقة الأمر جماعات تلهث وراء السلطة والرئاسة وانتزاع الحكم من أهله باسم الدين.

فالحذر الحذر من هذه الفتن . الحذر الحذر أيها لمسلمون عامة ويا أيها الشباب خاصة فإنها تلهث وراءكم لتكونوا سلم وصولها إلى مآربها.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين..

تعليق واحد

  1. عبد الرحمان تورى

    مبروك ، طيب طيب ، فإليكم الله فهماَ

اترك رداً على عبد الرحمان تورى إلغاء الرد

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *