التحذير من التبذير في الولائم | التحذير من إضاعة الصلاة | خطبة عيد الفطر 1446هـ ( أخطار تهدد الأُسرة ). | مما يشرع في ختام شهر رمضان | تجربة المملكة العربية السعودية في تعزيز منهج الوسطية والاعتدال ومكافحة الإرهاب | أثر العلم الشرعي في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتماسك المجتمع | العدالة الاجتماعية في ضوء الكتاب والسنة |

العنوان : التحذير من التبذير في الولائم

عدد الزيارات : 892

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} – {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } – {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا () يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} 

أما بعد:

فإن الله تعالى منَّ علينا بنعم عظيمة جليلة ومنها نعمةُ المال، ونعمةُ وفرةِ الأرزاق، وتنوعِ المطاعمِ والمشارب، فإن النِّعمَ كلَّها من الله تعالى كما قال جل وعلا (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)

وقد أمرنا سبحانه وتعالى أن نسلكَ في الانفاقِ منها والانتفاعِ بها مسلكَ التوسطِ والاعتدال قال تعالى ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى  عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) وقال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) ، وهذا المسلك يشملُ الأكلَ والشربَ واللُّبسَ وإكرامَ الضيف. فكلُّ ذلك ينبغي أن يُسلكَ فيه مسلكَ الاعتدال، لا تقتيرَ ولا تبذير.

فإنَّ التقتيرَ بخلٌ وشُحٌّ، وهو من الخصال الذميمة، ومجاوزةُ الحدِّ تبذيرٌ وإسرافٌ، وهو منكرٌ عظيمٌ وخطرٌ جَسيم. فالمبذِّرُ أخُ للشياطين، وأي مسلم يرضى أن يوصم ويوصف بأنه أخ لها؟!

قال تعالى (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)

والمسرفُ كذلك بغيضٌ إلى الله تعالى غيرُ محبوبٍ إليه، وأيُّ مسلمٍ يرضى لنفسه أن يكونَ بغيضاً إلى الرحمن حبيباً إلى الشيطان؟!

قال تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وقال ﷺ : “كلُوا، و اشربُوا، و تصدقُوا، والْبَسُوا في غيرِ إسرافٍ ولا مَخيلةٍ” رواه الحاكم وصححه.

وقد زيّنَ الشيطانُ لكثيرٍ من الناس التبذيرَ والإسرافَ في ولائمِ الضيافةِ وولائمِ الأعراس، فترى بعضَهم يقدِّمونَ للفرد الواحدِ ما يكفي العشرات، ويقدِّمون للعشراتِ ما يكفي المئات. استعراضاً بالغنى، وتفاخراً أمامَ الملأ.

إنَّ هذه الظاهرة ظاهرةٌ مخيفة لأنها من كُفران النِّعم، ومن كفران المُنعِم بها سبحانه، وقد قال اللهُ تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وقال تعالى ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) وإنَّ الشواهدَ على ذلك كثيرةٌ في الماضي والحاضر، فكم من بلاد كانت ترفلُ في حُلَلِ النعيم حتى دخلها الإسرافُ والتبذيرُ والتباهي بالولائم، فأُهْدِرتِ النِّعم، ورُمِيتْ في المزابل، ووُطِئتْ بالأقدام، فما لبثت إلا قليلاً حتى تبدل حالُها من غنى إلى فقر، ومن شِبعٍ إلى جوع، ومن أمنٍ إلى خوف، وما ربك بظلام للعبيد، فليكن لنا من كتابِ الله زاجر، وليكن لنا فيما جرى على غيرنا واعظ. والسعيد من وعظ بغيره.

عباد الله:

إنَّ مفاسدَ التبذيرِ في الولائمِ والإسرافِ فيها كثيرة متنوعة:

 فالتبذير فيها معصيةٌ لله ولرسوله ﷺ، وقد سمعتم بعض الأدلة على حرمة الإسراف والتبذير.

ومن مفاسد التبذير أَنّهُ يُوغر صدورَ الفقراء والمحتاجين، والضَعَفةِ والمساكين على هؤلاءِ الأغنياءِ المبذِّرين، فحينَ لا يجدُ الفقيرُ لقمةً تَسدُّ جوعَه ثم يرى جارَه الغنيَّ يرمي أكوامَ الأطعمةِ في المزبلة بعد انتهاء المناسبة لا شك أنه سيتألم لذلك أشدَّ الألم.

ومن مفاسدِ التبذير في الولائمِ أنه إتلافٌ لكثير من الأموال والحبوبِ والثمارِ واللحوم، وإهدارٌ لها بلا منفعةٍ تعود على المجتمع، بل يؤدي إلى غلاءِ أسعارها واستنزافِ أعدادِها، وارتفاعِ تكلفةِ مُعالجةِ نفاياتها، وذهابِ الأموالِ التي انفقت في الجُزء المهدرِ منها سدى، فإنَّ الزراعةَ وتربيةَ الماشية تُكلِّفُ الشيءَ الكثير، فما أُنفق من مالٍ وجهدٍ ووقتٍ على الكميّات التي أُهدرت ورُميت ذهب كله إلى النِّفايات ولم يُنتفعْ منهُ المنفعةَ المَرْجُوَّة.

فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على ما أنتم فيه من النعم من الزوال، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

 أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من الظواهر التي تصاحب التبذير في الولائم تصويرَ الولائمِ ونشرَها في وسائلِ التواصل، وهو سلوكٌ سيِّئُ له أضرارٌ كبيرةُ من كسرِ قلوبِ الفقراء وضعفاءِ الحال، وهو من الفخرِ والعُجْبِ والتباهي المذمومِ شرعاً، كما أنّه يؤدي الى تقليدِ الآخرين لهؤلاءِ المبذِّرين فيكونون أسوةً سيئةً لغيرهم، وتُسهم أيضاً في نشرِ صورةٍ سيئةٍ مغلوطةٍ عن المجتمع، حيث ينطبعُ في أذهانِ المشاهدين من خارجِ البلاد أن مجتمَعَنا مجتمعُ تبذيرٍ وإسرافٍ لا يقدر النعم ولا يحترمها.

أسأل الله أن يرزقني وإياكم شكرَ نعمه، وأن يجنبنا كفرَها، وأن يعيذَنا من زوالِ نعمته، وتحوِّل عافيته، وفُجاءة نقمته، وجميعِ سخطه إنه سميع مجيب الدعاء.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا سميع الدعاء، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ () وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ () وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *