العنوان : خطبة عيد الفطر 1446هـ ( أخطار تهدد الأُسرة ).
الخطبة الأولى
الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر – الله أكبر.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، واشكروه على ما أَنعمَ وأَولى، بلَّغَنَا رمضان، وأعانَ على الصيام والقيام، ومنّ بإدراكِ التَّمام، ونسألُه بفضله أنْ يُتِمَّ علينا النعمةَ بالقَبُولِ.
عباد الله: إنّ هذا اليومَ الأَغَرّ، هو يومُ عيدِ الفِطر، وأوّلُ أيامِ أشهُرِ الحَجّ، أَوجَبَ اللهُ فِطرَه، وحرّمَ صومَه، وجعلَهُ فَرَحاً وغِبْطَة، يفرح فيه المسلمون بفطرهِم بعدَ صومِهم، وبإكمالِ الركنِ الرابع من أركانِ دينِهِم، وبما يَرْجُونَهُ مِنْ الفَرَحِ الأكبر، يومَ يلقونَ ربَّهم قد قَبِلَ أعمالهَم الزاكيَة، وغفر ذنوبَهم الماضيَة، فيُقال لهم: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) فما أجملَ هذا الفرحَ وما أعظَمَه، قال نبيُّكم ﷺ : “لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا : إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”. اللهم كما بلّغتنا الفرحَ العاجلَ بالفطر، فبلّغنا الفرحَ الأكبرَ يومَ نلقاكَ يا رب العالمين.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ، أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
إخوة الإيمان: إن الأُسرة هي نَواةُ المجتمع وأساسه فإذا صلحتِ الأُسر صلح المجتمع، وإذا اختلّت الأسر ضعف المجتمع وفسدت أحواله.
وقد أمر الله تعالى ورسوله ﷺ بكل ما فيه الخير والاستقرار للأسرة فأمر الأولاد ببر الوالدين والإحسان إليهما، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
وأمر الوالدَين بالإنفاق على أبنائهم وبناتهم، وإحسان تربيتهم، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
وأمر الوالدين بالعدل بين أبنائهم وبناتهم في الهدية والهِبة، وفي إبداء مشاعر المحبة؛ حتى لا تتقد بينهم نار الحسد والعداوة، قال ﷺ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ» متفق عليه.
وذكّر الله عباده بنعمة الحياة الزوجية فقال تعالى{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
وأمرَ الزوجين أن يعاشر كلٌّ منهما الآخر بالمعروف والإحسان، قال تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
فالرجل هو قائد بيت الزوجية، يجب عليها طاعته في المعروف، وهو مأمورٌ بالإحسان إليها وإكرامِ عشرتها، والصبرِ عليها واحتمالِ نقصها ما لم يكن معصية.
ونهى الرجلَ أن يكرهَ زوجتَه المسلمة، وإذا كان فيها خصلة لا تعجبه فليتذكر محاسنها التي تعجبه. قال ﷺ «لَا يَفْرَكْ – أي لا يبغض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا غَيْرَهُ» رواه مسلم،
ونهى الرجلَ عن ظلم الزوجة في النفقةِ أو المبيتِ أو العدلِ بينها وبين ضراتها قال ﷺ “مَن كانت له امرأتانِ، فمال إلى إحداهما جاء يَومَ القيامَةِ وشِقُّه مَائِلٌ”
وأمر الزوجةَ بمعاشرة زوجها بالمعروف، وبحفظ زوجها في نفسها ومالهِ وولدِه، قال تعالى {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}
ونهى المرأةَ أشد النهي أن تَكفرَ العشيرَ فتجحدَ فضلَهُ عليها قال ﷺ «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ” رواه البخاري.
وحذّرَ المرأةَ من طلب الطلاق من غير سببٍ شرعي وجيهٍ يقتضي ذلك فقال ﷺ “أيما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقاً في غيرِ ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ” رواه أبو داود.
عباد الله:
إن الأسرة اليوم محاطة بكثير من الأخطار التي تهدد استقرارها ونجاحها في أداء رسالتها، ومن تلك المخاطر:
تقصير الزوج في واجباته كعدم الإنفاق، وكثرة الغياب عن البيت من غير ضرورة، وإساءة العشرة بالعنف وسلاطة اللسان والتحقير، وكثرةِ الشكوك وإساءةِ الظَّنِّ من غير مُبَرِّر، وغيرِ ذلك من مساوئ الأخلاق.
ومن أسباب انهدام الأسرة نشوزُ المرأة عن طاعة زوجها، و تكبُّرها عن القيام بالخدمة التي يقوم بها أمثالها في البيوت.
ومن أسباب انهدام الأسرة عدمُ القناعة والرضا بما قسم الله، فحين ترى المرأة في الواقع أو في وسائل التواصل من تعيش في حال أحسن منها تطالب زوجها أن تكون مثلها وليس لديه قدرة.
ومن أسباب انهدام الأسرة التخبيبُ الإلكتروني أو المباشر فإن شيطانات الإنس وشياطينهم ينشطونَ في تشجيعِ النساء على التمرد على بيوتهن وأولياءِ أمورِهن وأزواجهِن، بدعوى الحُرية والاستقلال، وعدم الحاجة إلى الرجل في حياتهن.
ويرسمون للبنت بعد هروبها من بيت أبيها، وللزوجة بعد الطلاق أو الخُلع حياةً ورديةً جميلةً تسرح فيها المرأة وتمرح دون حسيب ولا رقيب.
فعلى نساءِ المسلمات أن يعين خطرَ هذه الدعوات عليهن في الدين والدنيا.
لقد أطاع هذه الدعوات بعضُ النساء فانتهى بهن الأمر إلى هارباتٍ في بلاد الغرب يتكسبن بالرذيلة والتعري، أو بالعيش على الأرصفة واستجداءِ الرائح والغادي، أو انتهى بهنَّ الأمرُ إلى الانتحار، أو انتهى بهن الأمر إلى مُجنّدات لمنظماتٍ ضد الدين والوطن.
وانتهى الحال بأخريات إلى ندامةٍ كبيرة بعدما خسرت بيتها وأولادها وزوجها، وسكنَها النفسيَّ الذي كانت فيه. فللمرأةِ فيهنَّ عظة وعبرة والسعيد من وُعِظَ بغيره.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر – الله أكبر
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على بيوتكم، واحرصوا عليها أشد الحرص حتى تكون بيوتاً سعيدة، آمنة مطمئنة.
وحافظوا على بيتنا الكبير، وهو هذا الوطن السعودي المبارك وذلك بالسمع والطاعة لولاةِ أمرنا في المعروف، ولزومِ الجماعة، وتربية الأسرة على توقير ولاةِ الأمور، والدعاءِ لهم، والإشادة بمنجزاتهم في خدمةِ الحرمين وضيوفِ الرحمن، والوقوفِ مع قضايا المسلمين، وحِرصِهم على الوطنِ والرعية، وغيرِ ذلك من المحاسن، فإنَّ هذه التربية تزيدُ من ولائهم لقيادتهم، وحرصِهم على مصالح وطنهم، وتقطعُ الطريقَ على من يحاول زرعَ بذورِ الفتنةِ بين الراعي والرعية.
ولنحذر من المناهج الخارجية التكفيرية، ومن المناهج الداعية إلى الإلحاد والإباحية والشذوذ والمخدرات. فإن الغلو والانحلال كلاهما خطر عظيم يفسد الدين والأمن والاستقرار.
والحياةُ السعيدة إنما هي في الوسطية، وهي الدين الحق، المتمثل في إفرادِ الله بالعبادة، واجتنابِ الشركِ بدعاءِ غيره معه، وبلزومِ السُّنَّة وما كان عليه السلفُ الصالح، واجتنابِ البدعِ والمحدثات. قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين،
اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، واجعل هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جزاكم الله خيرافضيلة الشيخ