تجربة المملكة العربية السعودية في تعزيز منهج الوسطية والاعتدال ومكافحة الإرهاب | أثر العلم الشرعي في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتماسك المجتمع | العدالة الاجتماعية في ضوء الكتاب والسنة | استقبال شهر رمضان 1446هـ | جهود رجال الأمن ومكانتهم في الإسلام | من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم | جهود وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة الإرشاد تسر كل مؤمن |

العنوان : أثر العلم الشرعي في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتماسك المجتمع

عدد الزيارات : 70

ورقة علمية مقدمة 

للمؤتمر السنوي الـ(37) لمسلمي أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي

(التعليم الشرعي في دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وأثره في الحفاظ على الهوية الإسلامية)

المنعقد في مدينة ساو باولو بجمهورية البرازيل الاتحادية

29-30 نوفمبر والأول من ديسمبر 2024

أثر العلم الشرعي في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتماسك المجتمع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فإن العلم الشرعي هو ميراث النبي ﷺ الذي به حياة القلوب، وهدايتها وسعادتها، وبه صلاح أمر الدين والدنيا, قال ﷺ “إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بنصيب وافر” وهذا الميراث هو الذي ضمن الله تعالى لمن تمسك به أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]

التعليم الشرعي وأثره على الفرد والمجتمع

العلم الشرعي له أثر عظيم على الفرد والمجتمع:

 فبالعلم الشرعي يعرف العبد ربه تعالى بربوبته وأنه الخالق المالك المتصرف، له السموات والأرض وما فيهن، ما شاء كان لم يشأ لم يكن، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: 1 – 3] { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 102]

وبالعلم الشرعي يعرف العبد ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه ﷺ فيؤمن بها من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل أو تشبيه لله بشيء من خلقه كما قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ومن ذلك أنه العلي الأعلى، على العرش استوى، ليس فوقه شيء كما قال تعالى { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5] وكما قال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 16، 17]

ومن ذلك أنه الأول أي الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء،  والباطن  الذي ليس دونه شيء أي قد أحاط بكل شيء علماً ، كما قال تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3] وقد فسرها النبي ﷺ بقوله: ” اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ” رواه مسلم.

وبالعلم يعرف العبد ربه بألوهيته وأنه المستحق وحده للعبادة فيخلصله الدعاء في الشدة والرخاء، ويخلص له النذر والذبح والخوف والحب والرجاء، وغير ذلك من أنواع العبادة، وهذا هو المقصود العظم لأجله خلق الثقلان وبه أرسلت رسل الرحمن، وبه نزلت الكتب بأوضح حجة وبرهان، وعليه مدار السعادة والشقاء فمن مات يعبد الله وحده دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئاً دخل النار والعياذ بالله.

قال تعالى جامعاً بين أنواع التوحيد الثلاثة الربوبية والألوهية والأسماء والصفات {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] وقال تعالى مبيناً الحكمة من خلق الثقلين الجن والإنس : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] وقال تعالى مبيناً الحكمة من إرسال الرسل {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وقال تعالى محذراً من الشرك الأكبر {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [المائدة: 72] وعن جَابِرٍ ، قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا الْمُوجِبَتَانِ ؟ فَقَالَ : مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ” رواه مسلم.

وبالعلم الشرعي يعرف المسلم كيف يؤدي عبادة ربه على الوجه الصحيح من طهارة وصلاة وزكاة وصيام وحج وغيرها فالعبادات لا يقبلها الله إلا بشرطين

الأول: أن تكون خالصة لوجهه الكريم قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] وقال ﷺ: “قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ” رواه مسلم.

والثاني: أن توافق العبادة هدي رسول الله ﷺ ،  قال تعالى { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31] ، وقال ﷺ «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه[1].

وبالعلم الشرعي تتهذب الأخلاق ويستقيم السلوك ويستطيع المسلم أن يكون نمو    ذجاً سامياً في التعامل مع الناس مسلمهم وكافرهم لأن الإسلام جاء بأكمل الأخلاق وأعظمها وأحسنها قال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وقال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] وقال ﷺ : ” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق” رواه أحمد[2].

وبالعلم الشرعي يكون المسلم في المجتمع عضواً صالحاً، لأن العلم الشرعي يبصره بمسؤولياته تجاه مجتمعه كالتعامل بالصدق والأمانة، والمحافظة على النظام بما لا يخالف الشرع، والمحافظة على المنافع العامة، والدعوة إلى الله والتعليم والوعظ بالتي هي أحسن، قال ﷺ  ” الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ” رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه، وقال ﷺ «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه. وقال ﷺ  فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ” رواه مسلم.

مصادر الهوية الإسلامية ومقوماتها:

للهوية الإسلامية مصادر ولها مقومات:

مصادر الهوية الإسلامية:

القرآن والسنة هما مصدر الهوية الإسلامية، لأن الهوية يراد بها السمات التي تميز المسلم عن غيره،  وديننا يقوم على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فعلى المسلم أن يحرص أن تكون أحواله كلها مبنية على هذين المصدرين العظيمين في عقيدته وعبادته ولغته ولباسه وزينته وتعامله وأخلاقه. قال تعالى آمراً بطاعته وطاعة رسوله ﷺ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [التغابن: 12] وقال ﷺ: “إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم”[3]

مقومات الهوية الإسلامية:

للهوية الإسلامية مقومات أقتصر منها على أبرزها وهي:

أولًا: العقيدة الصحيحة.

أي العقيدة الخالية من الشرك والبدع والمحدثات. عقيدة تنطلق من شهادة ان لا إلا الله التي تعني أن يُعبدَ الله وحده واجتناب عبادة ما سواه كما قال الخليل لأبيه وقومه {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 75 – 81]

وعقيدة تنطلق من شهادة أن محمداً رسول الله ﷺ التي تقتضي طاعة أمره واجتناب نهيه، وتصديق خبره، والتعبد لله بما شرعه ﷺ. قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7] وقال ﷺ “َمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي” متفق عليه[4]، فعلى المسلم أن يحذر من الشرك كله أكبره وأصغره، القولي والعملي قال تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]

وهذا النهي يشمل جميع ما يشرك الله به من المعبودات سواء كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً أو ولياً صالحاً، شمساً أو قمراً، شجراً أو حجراً، كما يشمل النهي عن جميع أنواع الشرك الأكبر كعبادة غير الله أو الأصغر مثل الحلف بغير الله قال ﷺ  : ” أَلاَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ ، أَوْ لِيَصْمُتْ”. متفق عليه، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة فقال ابن عمر لا يحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: “من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك” رواه الترمذي وحسّنه”.

ومن أمثلة الشرك الأصغر أيضاً تعليق التمائم قال ﷺ “مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ” رواه أحمد عن عقبة رضي الله عنه.

 وروى أحمد أيضاً عنه حديثاً عجيباً فقال رضي الله عنه   أَقْبَلَ إِلَيْهِ _ يعني النبي ﷺ _ رَهْطٌ فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا قَالَ إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ وَقَالَ مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ” فانظر كيف لم يداهن النبي ﷺ هذا الرجل الذي قدم عليه يبايعه ولم يرض أن يبايعه حتى تخلى عن التميمة مما يدل على خطرها، وأن الشرك كله أصغره وأكبره يجب الحذر والتحذير منه.

ثانياً: الحفاظ على الشعائر الإسلامية.

من مقومات الهوية الإسلامية للأقليات المسلمة الحفاظ على العبادات والشعائر الإسلامية وإقامتها على الصفة المشروعةـ فإنها الماء الذي يسقي شجرة الإيمان، فإن الإيمان يزداد بالطاعات ويقوى وينبض بالحياة، كما ينقص بترك الطاعات وارتكاب المعاصي. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال: 2 – 4]

وشعائر الإسلام الظاهرة كالأذان والإقامة وصلاة الجماعة وصلاة الجمعة وصلاة التراويح وصيام رمضان وصدقة الفطر من الطعام كالأرز والتمر والبر والشعير والزبيب وغيرها من الأقوات والحج والعمرة والتكبير في العيدين، وتعليم القرآن والعلم في المساجد مما يحافظ على الهوية الإسلامية للمجتمع المسلم لا سيما في بلاد الأقليات المسلمة، حيث يتربى أبناؤهم على هذه الشعائر، ويألفونها ويحبونها وتكون جزءاً من كيانهم.

 ثالثاً: العناية باللغة العربية.  

من مقومات الهوية الإسلامية للأقليات المسلمة المحافظة على اللغة العربية فإنها لغة القرآن والسنة، قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [فصلت: 3] و اللغة العربية هي حبل التواصل مع التراث الإسلامي العريق الممتد لأكثر من 1400 عام ،  في كل أنواع المعرفة تفسيراً وحديثاً وفقها وتاريخاً وأدباً وغيرها.

كما أنها حبل التواصل مع الأوطان الأم لكثير من الأقليات المسلمة، ولأهمية اللغة العربية كان عمر رضي الله عنه حريصاً أن لا تطغى الألسن الأخرى على اللسان العربي بسبب الفتوح ودخول الشعوب الأعجمية في الإسلام فقد كتب إلى أبي موسى الأشعري أميره على العراق يقول له : “أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ , وَتَفَقَّهُوا فِي الْعَرَبِيَّةِ , وَأَعْرِبُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ..”[5].  وقال أُبَيُّ بن كعب رضي الله عنه : “تعلموا العربية كما تتعلَّمون حِفْظ القرآن”

فلتحرص الأقليات الإسلامية أن يكون خطابها فيما بينها باللغة العربية حتى تكون حية حاضرة فيهم، ويتلقنها أبناؤهم وصغارهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية – التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن – حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله..فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم. ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر، ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب، ولغة أهلها بربرية عوّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم، … وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب.”[6].

رابعاً: دراسة التاريخ الإسلامي.

من مقومات الهوية الإسلامية للأقليات المسلمة معرفة التاريخ الإسلامي ابتداء بسيرة النبي ﷺ ثم سيرة أصحابه رضوان الله عليهم، فإن دراسة المسلم لتاريخ نبيه ﷺ وخلفائه الراشدين وسير أصحابه، وتاريخ أمته ينمي في قلب المسلم محبته لنبيه ﷺ ولأسلافه الصالحين، فمن لم يعرف النبي ﷺ وأصحابه من لم يعرف جميل أوصافهم وكريم أخلاقهم وكمال أحوالهم كيف سيحبهم ويجلهم كما ينبغي، وكيف يمكنه أن يتخذهم له الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة، كما أن وعي أجيال الأقليات المسلمة بتاريخهم يسهم في وقايتهم من الانصهار والذوبان في ثقافة البلدان التي يعيشون فيها.

وقد أدرك سلفنا قيمة التاريخ فكان من منهجهم التربوي للأجيال الناشئة تعليمهم تاريخ النبي ﷺ فعن زين العابدين علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، قال: كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن[7]، وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني قال: كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا وسراياه، ويقول: يا بني هذه شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها”[8] ، وقال الزهري: في علم المغازي خير الدنيا والآخرة[9].

من الوسائل الضرورية لنشر العلم الشرعي والمحافظة على الهوية الإسلامية:

 1- عناية الأسرة بأبنائها وبناتها، فعلى الأبوين مسؤولية عظيمة تجاه أبنائهم وبناتهم وفي الحديث (الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) متفق عليه.

2- تفعيل دور المسجد والمركز الإسلامي في تعليم العقيدة الصحيحة عقيدة السلف الصالح بعيداً عن البدع والمحدثات فإنها العقيدة المبنية على الكتاب والسنة الموافقة لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وهي العقيدة الموافقة للفطرة السالمة من كل المؤثرات الدخيلة على الإسلام من الثقافات الأخرى التي دخلت على المسلمين باسم علم الكلام، وهي العقيدة التي تعصم بإذن الله من الغلو والتطرف ومجاوزة الحد المشروع كما أنها العاصمة من الانحلال والانسلاخ من قيم الدين وأخلاقه.

3- إنشاء المدارس الخاصة التي تحتضن أبناء وبنات المسلمين وتزودهم بالعلوم الشرعية واللغوية والتاريخية مع العلوم الأخرى المباحة التي تنفعهم في مجتمعهم الذي يعيشون فيه ليسهموا في بنائه والمحافظة على أمنه واستقراره.

4- توثيق الصلة بعلماء المسلمين ودعاتهم وطلبة العلم المعروفين بالعناية بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ والسير على منهاج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وتبادل الزيارات، ومدارسة المشكلات والسعي في إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لها. وتأهيل المعلمين والدعاة وإعدادهم الإعداد الجيد علماً وعقيدة ومنهجاً وحكمة وتعليماً حتى يكمل النفع بهم.

5- تيسير سبل الزواج والتشجيع عليه، والحرص التام على أن يتزوج المسلم المسلمة، وأن لا تتزوج المسلمة إلا بمسلم، لأن التساهل في هذا يفضي إلى عواقب وخيمة قال ﷺ قَالَ : الدُّنْيَا مَتَاعٌ ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ”[10].  وقال ﷺ : “إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”[11] والله أسال أن يبارك في هذه الكلمات وأن ينفع بها ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


[1] – صحيح البخاري (3/ 184) صحيح مسلم (5/ 132)  

[2] مسند أحمد (14/ 513)

[3] – المستدرك للحاكم (1/ 93)

[4] صحيح البخاري (7/ 2) صحيح مسلم  (4/ 129)

[5] – مُصنف ابن أبي شيبة ط السلفية (10/ 456)

[6]–  اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 526)              

[7] – الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 195)

[8] – المصد السابق

[9] – المصد السابق

[10] – صحيح مسلم (4/ 178)

[11] – سنن الترمذي (3/ 394)


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *