تجربة المملكة العربية السعودية في تعزيز منهج الوسطية والاعتدال ومكافحة الإرهاب | أثر العلم الشرعي في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتماسك المجتمع | العدالة الاجتماعية في ضوء الكتاب والسنة | استقبال شهر رمضان 1446هـ | جهود رجال الأمن ومكانتهم في الإسلام | من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم | جهود وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة الإرشاد تسر كل مؤمن |

العنوان : العدالة الاجتماعية في ضوء الكتاب والسنة

عدد الزيارات : 71

محاضرة العدالة الاجتماعية في ضوء الكتاب والسنة[1]

بسم الله الرحمن الرحيم

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً

أما بعد:

 فإني أشكر الله على تهيئة هذا اللقاء الكريم للحديث عن العدالة الاجتماعية في ضوء الكتاب والسنة باستضافة كريمة من مركز بحوث العلوم الشرعية ممثلاً في فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن حسن آل الشيخ مدير المركز وفقه الله وجزاه خيراً على حسن ظنه بشخصي وأسأل الله أن يرزقني السداد فهو وحده الهادي إلى سبيل الرشاد

ثم إن مصطلح العدالة الاجتماعية ليس من المصطلحات الشرعية ولم يستعمل في الكتاب والسنة ولم يعرف في كتب أسلافنا سواء ممن كتبوا في السياسة الشرعية أو الاقتصاد أو المذاهب والفرق أو غيرهم، لكونه مصطلحاً حادثاً شاع استعماله في العصور المتأخرة القريبة.

وهو من جملة المصطلحات المستوردة التي لها دلالتها الخاصة المناسبة للعقيدة والفكر التي انطلق منها ونشأ فيها، فالعدالة الاجتماعية في الرأسمالية تختلف عن العدالة الاجتماعية في الاشتراكية، ولهذا ينبغي أن يراعى عند استعمال عبارة “العدالة الاجتماعية” تقييد دلالتها بالعدالة في الإسلام حين تساق في مساق المدح أو الحث على تطبيق مضامينها، دون التفات لمفاهيم العدالة التي تتعارض مع أحكام الكتاب والسنة وإن استحسنتها النظريات أو الأنظمة البشرية سواء كانت شرقية أو غربية أو ملفقة منهما.

والعدل في اللغة: الاستقامة والاستواء، وهو نقيض الجَور، والعدل في الشرع أطلق على عدة معان منها إعطاء كل ذي حق حقه قال تعالى: “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” كما جاء العدل مراداً به كل ما شرعه الله تعالى وذلك في قوله عز وجل “إن الله يأمر بالعدل” قال ابن عطية: “العدل: هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع وسير مع الناس في أداء الأمانات، وترك الظلم، والإنصاف وإعطاء الحق”[2]

ومن موضوعات العدالة الاجتماعية العدالة في القضاء وتساوي الأفراد أمام القانون، والعدالة في قضية المال والثروات، وهذا ما سيدور عليه الحديث في هذه الكلمة المختصرة.

أولاً: العدل في الحكم:

أوجب الله تعالى على ولاة الأمور الحكم بالعدل فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: 58] وأمر الله داود عليه السلام وقد جمع الله له بين النبوة والملك فقال له وهو النبي المعصوم : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص: 26]

 وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” «إِذَا حَكَمْتُمْ فَاعْدِلُوا وَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا فَإِنَّ اللَّهَ – عَزَّ وَجَلَّ – مُحْسِنٌ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» ” قال الهيثمي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

 ووعد النبي ﷺ من حكم فعدل بالخير العظيم فقال ﷺ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما[3].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ” الحديث، متفق عليه[4]. فبدأ بالإمام العادل لجلالة قدره وعظم أثره في الأمة.

والعدل بين الرعية في الحكم بأن يعطى كل ذي حق حقه، فلا يحابى الظالم لقوته أو قرابته أو جاهه أو ماله، ولا يُظلم أحدٌ بسبب انتمائه الديني أو العرقي أو الاجتماعي أو لغير ذلك من الاعتبارات.  فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعْجَبَ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ “. قَالَ: فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ عَلَيْنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَتْ: سَتَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانَا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ أَمْرِي وَأَمْرَكَ عِنْدَهُ غَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صَدَقَتْ، ثُمَّ صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لَا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم” أخرجه ابن حبان في صحيحه[5] ،

وقد ضرب النبي ﷺ مثلاً عظيماً في تحقيق العدالة دون محاباة لأحد كما في قصة المخزومية، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ” متفق عليه[6] ، وقرر أبو بكر الصديق هذا المبدأ العظيم في خطبته يوم البيعة العامة فقال: ” الضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ”[7] ،

وأعلن النبي ﷺ في وثيقة المدينة التي أسست نظام الدولة الحديثة في المدينة بمكوناتها من المسلمين واليهود وغيرهم أن الجميع متساوون في المسؤولية الجزائية، كما أنهم متساوون في واجب حفظ الوطن الجديد. فقد جاء في الوثيقة: ” وَإِنَّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ وَالْأُسْوَةَ، غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرِينَ عَلَيْهِم .. ثم قال : “وَإِنَّ عَلَى الْيَهُودِ نفقتَهم وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نفقتَهم وَإِنَّ بَيْنَهُمْ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حارب أهل هذه الصحيفة” اهـ

وكتب عمر رضي الله عنه إلى ابي موسى الأشعري رضي الله عنه كتاباً عظيماً جاء فيه : ” وآسِ  الناسَ في مَجْلِسِكَ، وفي وجهك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حَيْفِكَ، ولا يَيأس  ضعيف من عدلك” قال السرْخسي[8] : “مَعْنَاهُ سَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَالتَّأَسِّي فِي اللُّغَةِ التَّسْوِيَةُ قَالَ قَائِلُهُمْ:

فَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي … عَلَى إخْوَانِهِمْ لَقَتَلْت نَفْسِي

وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ … أُعَزِّ النَّفْسَ عَنْهُمْ بِالتَّأَسِّي

وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْخُصُومِ إذَا تَقَدَّمُوا إلَيْهِ اتَّفَقَتْ مِلَلُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَتْ، فَاسْمُ النَّاسِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَإِنَّمَا يُسَوَّى بَيْنَهُمْ فِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ: فِي وَجْهِك وَمَجْلِسِك وَعَدْلِك يَعْنِي فِي النَّظَرِ إلَى الْخَصْمَيْنِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمَا فِي جُلُوسِهِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَا يُقَدِّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَفِي عَدْلِهِ بَيْنَهُمَا، وَبِالْعَدْلِ أُمِرَ”[9] .  كما أن الحكم بالعدل هو وصية الحكماء، ومن مأثور أقوالهم فيه:  “الـمُلك لا يصلحه إلا الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلا العدل”[10] ، وقيل أيضاً: ” لَا مُلك إِلَّا بِالرِّجَالِ، وَلَا رجال إِلَّا بِالْمَالِ، وَلَا مَال إِلَّا بالرعية، وَلَا رعية إِلَّا بِالْعَدْلِ والسياسة ” فَيكون الْعدْل أصل جَمِيع ذَلِك”[11].

وإن مما نحمد الله تعالى عليه في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية قيامها على العدل، فدستورها كتاب الله عزّ وجلّ، وسنة رسوله ﷺ، ومحاكمها تحكم بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وأتاحت الفرصة لكل متظلم، وأنشأت المحاكم متنوعة الاختصاصات، وأنشأت ديواناً للمظالم يتيح للفرد أن يقاضي فيه مؤسسات الدولة إذا ادعى عليها ظلماً أو منها هضماً.

ويَسّرَتْ سبل التحاكم عن بعد من أول الترافع إلى التنفيذ.

وقد كفلت هذا الحق لكل من يتحاكم إليها من مواطن أو مقيم، ومن يطالع وسائل التواصل يجد إشادة كثير ممن قدموا إلى المملكة -حرسها الله -للعمل وهم يستذكرون تجاربهم مع الجهات العَدلية التي مروا بها، وكلهم ينطقون بلسان واحد (إن كان لك حق في السعودية فلن يضيع) فالحمد لله على نعمة قيادتنا الرشيدة وزادها الله من فضله إنه سميع الدعاء.

العدالة في الأموال:

من حكمة الله تعالى أنه جعل المال قياماً للناس، تقوم به معايشهم وتجاراتهم، ويستعينون به على صلاح دينهم ودنياهم، قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) [النساء: 5]

لذلك شرع الله اكتساب المال من وجوهه المباحة، كالعمل والتجارة قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [البقرة: 275] وعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ – رضي الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – سُئِلَ: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ? قَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ, وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ». رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ[12].  وقال رجل للإمام أحمد: إِنِّي فِي كِفَايَةٍ، فَقَالَ له: «الْزَمِ السُّوقَ تَصِلُ بِهِ الرَّحِمَ وَتَعُودُ بِهِ»[13]. والإسلام حين أباح اكتساب المال لم يجعل المال غاية لذاته، ولم يجعل طلبه مبيحاً لكل وسيلة يمكن الحصول بها على المال مهما كانت، بل حرّم الربا، وحرم الغَرَر ، وحرم ما فيه ضرر، ونهى عن أكل المال بالباطل، وعن الاحتكار، ونهى عن كثير من المعاملات التي تنشأ عنها العداوة والبغضاء، وهذه العناية بالجانب الأخلاقي في البيوع تبرز البَون الشاسع الواسع بين الإسلام وبين النظام الرأسمالي الذي يبيح اكتساب المال من كل وجه ممكن، على قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”، حتى تراهم يتلفون الأطنان من الأطعمة والأشربة حفاظاً على أسعارها في الوقت الذي يموت فيه ألوف البشر جوعاً وعطشاً بمرأى ومسمع منهم.  

ومن حكمة الله تعالى أنه خلق الناس متفاوتين في العقول والمدارك والقدرات والمواهب، ونتج عن ذلك التفاوتُ في الأرزاق فمنهم الغني ومنهم الفقير ومنهم المتوسط الذي يجد ما يكفيه، قال تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف: 31، 32] وقال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الروم: 37]  ومن شواهد قدرة الله تعالى أنّ الرجل قد يجتهد اجتهاداً عظيماً في طلب المال ولكنه لا يحصل منه على شيء، وترى الآخر يطرده الرزق طرداً ويأتيه من حيث لا يحتسب فكل ذلك بمشيئة الله وقدرته، وقد قيل:

متى ما ير الناسُ الغنيَّ وجارُهُ … فقير ٌيقولوا عاجزٌ وجليدُ

وليس الغنى والفقرُ مِن حيلةِ الفتى … ولكنْ أَحاظٍ قُسِّمتْ وجُدود[14] ،

ومع هذا التفاوت بين الناس في الغنى والفقر فلم تأمر الشريعة بنزع أموال الأغنياء وتفتيت ثرواتهم وتمليكها للطبقة الكادحة من العمال والفقراء أو تمليكها للدولة، كما تنادي به الاشتراكية الشيوعية، ولكنها شرعت للناس العمل ورغبّتهم في طلب الرزق من وجوهه المباحة، وفرضت للفقراء ونحوهم نصيباً في أموال الأغنياء وهو الزكاة المفروضة، وشرعت من الأحكام والآداب في الأموال ما يصل بها إليهم نصيباً من أموال الأغنياء كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

وأمرت الشريعة أيضاً أن تكون العلاقة بين الأغنياء والفقراء علاقةً تسودها الرحمة والمواساة والإحسان والإيثار من قبل الأغنياء تجاه الفقراء، وعلاقةً تسودها سلامة الصدر من الغل والحقد والحسد من قبل الفقراء تجاه الأغنياء.

وإن العلاقة بين فقراء الصحابة وأغنيائهم هي العلاقة النموذجية التي ينبغي أن تحتذى، فلا حسد في قلوب الفقراء، ولا شح في نفوس الأغنياء، بل تراحم وتآزر، وتنافس في الخير، وتعاون على البر والتقوى, ثم الرضا بما قسم الله،  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ اللهِ قَالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً» قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» رواه مسلم[15].

والمال في الإسلام له حرمة عظيمة فهو أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع السماوية آمرة بالحفاظ عليها ناهية عن العدوان عليها بغير وجه حق،قال تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [البقرة: 188] وقال ﷺ : “كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ, دَمُهُ, وَمَالُهُ, وَعِرْضُهُ”. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.  وقال ﷺ : “إِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ” رواه أحمد من حديث عَمِّ أبي حُرّة الرقاشي.

والمال إما أن يكون ملكاً فردياً خاصاً، وإما أن يكون مالاً عاماً تحت تصرف الدولة وفي بيت مالها، وفي المال الخاص والعام حقوق لكثير من أفراد المجتمع من فقراء ومساكين وغارمين وغيرهم، تسد خَلّتهم، وتوفر لهم كفايتهم، وتشد أواصرَ المحبة والرحمة والتآلف بين أفراد المجتمع المسلم، وتحقق كثيراً من المصالح الدينية والدنيوية.

فمن الحقوق في المال الخاص (أي أموال الأفراد) :    

  1. النفقة على الزوجة والأولاد والوالدين ومن تلزم نفقته من الأقارب، ونفقة ما تملكه يمينه أو تحت يده من بهيمة الأنعام وغيرها من الحيوان.  قال تعالى: “وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” [البقرة: 233] وقال ﷺ «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ» رواه مسلم[16]  وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» متفق عليه[17].
  2. الزكاة المفروضة للأصناف الثمانية المذكورين في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60]
  3. الصدقة التطوعية في السر والعلن والليل والنهار.
  4. كفارات اليمين، والنذور، والظهار، والجماع في نهار رمضان، وارتكاب المحظورات أو ترك الواجبات في مناسك الحج أو العمرة.
  5. الوصية بشيء من المال بعد الموت
  6. الهبة من المال في الحياة
  7. الوقف وهو من أعظم الأعمال الصالحة لاستمرار ثوابه بعد الموت ما دام الانتفاع به باقياً وقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على الأوقاف فقد أورد ابن قدامة في المغني عن جابر رضي الله عنه أنه قال : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذُو مَقْدِرَةٍ إلَّا وَقَفَ”

 وإن مما نحمد الله عليه أن مجتمعنا بحمد الله بجميع طبقاته مجتمع مبادر إلى بذل المعروف سراً وجهراً للقريب والبعيد، ومتى دعاه ولاة الأمر الى الإسهام في الحملات الشعبية بادروا رجالاً ونساء إلى التبرع بما تجود به نفوسهم فالحمد لله على هذه الخصلة الحميدة النبيلة ونسأل الله الإخلاص في القصد والمزيد من الفضل.

وأما المال العام الذي يرد إلى بيت المال وهو الخزينة العامة للدولة فيصرف في مصالح البلاد والعباد العامة والخاصة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. مال الزكوات المفروضة التي يجمعها ولي الأمر فتصرف في الأصناف الثمانية التي سمى الله عز وجل، وكذا الأموال التي نص الشارع على مصارفها فتصرف فيما ورد فيه النص الشرعي.
  2. رواتب العاملين في الدولة كالجنود والقضاة والمعلمين والأطباء وغيرهم.
  3. السلاح والعتاد الذي يحتاج إليه لحفظ الأمن وصد المخاطر التي تهدده من الداخل أو الخارج.
  4. بناء المنشآت التي يحتاجها الناس كالمساجد والمستشفيات والمدارس والحدائق والكليات والجامعات لنشر العلوم النافعة، وشق الطرق والقنوات، وغيرها.  
  5.  القيام بشئون الفقراء والضعفاء من العجزة واللّقطاء والمساجين الفقراء، الّذين ليس لهم مال ينفق عليهم منه، ولا أقارب تلزمهم نفقتهم، فيتحمّل بيتُ المال نفقاتهم وكسوتهم وما يصلحهم من دواءٍ وأجرة علاجٍ وتجهيز ميّتٍ..
  6. تحمل دية جناية من لم يكن له عاقلة من المسلمين، أو كان له عاقلة فعجزوا عن كل الدية أو بعضها، وكذا دية من يموت في زحام أو لا يعرف قاتله ونحو ذلك.
  7. توفير فرص التدريب والتعليم على الصناعات والمهارات التي تمكن صاحبها من الكسب والعمل الذي يعود عليه بالفائدة.

ومن الأدلة الشرعية على ما سبق قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال: 41]

وقوله تعالى (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) [الحشر: 7]

وقوله ﷺ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» متفق عليه من حديث أبي هريرة[18].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يتحدث عن مصارف بيت المال: “إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدّم ذوي الحاجات كما قدّمهم في مال بني النضير وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس أحدٌ أحقَّ بهذا المال من أحد إنما هو الرجل وسابقته والرجل وغَناؤه والرجل وبلاؤه والرجل وحاجته فجعلهم عمر رضي الله عنه أربعة أقسام:

الأول: ذوو السوابق الذين بسابقتهم حصل المال

الثاني: من يغني عن المسلمين في جلب المنافع لهم كولاة الأمور والعلماء الذين يجتلبون لهم منافع الدين والدنيا.

الثالث: من يبلي بلاء حسنا في دفع الضرر عنهم كالمجاهدين في سبيل الله من الأجناد والعيون من القصاد والناصحين ونحوهم.

الرابع: ذوو الحاجات”[19] .

ومما نحمد الله ونثني عليه ما نراه من حرص قيادتنا في المملكة العربية السعودية على مصالح شعبها ومواطنيها، وبذلها الكثير فيما يعود عليهم بالنفع في كل مناحي حياتهم أمنياً وعلمياً وصحياً وغير ذلك، فشكر اللهم وزادهم توفيقاً وتسديداً وتأييداً.

ومن خلال ما تقدم ندرك حرص الإسلام على العدل في الأحكام، وعلى المال العام والخاص مع التوازن بتحقيق مصالح الدين والدنيا والروح والجسد، والتوازن بين مصالح الفرد ومصالح الدولة أو مصالح الجماعة، بخلاف الأنظمة الاقتصادية الأخرى كالاشتراكية أو الرأسمالية التي تطرف كل منهما إلى جانب، وكلاهما خالف الفطرة والعقل والدين الحق.

ثم أختم كلمتي هذه بمسألتين:

الأولى: قضية حق الفرد في بيت المال من القضايا الحساسة بالغة الأهمية، وغالب الفتن والثورات تنطلق من استغلالها بتأليب الشعوب على ولاة أمورها، وإذا نظرنا في أدلة الشرع نجدها صريحة في النهي استغلال الأثرة أو الجور في الخروج عليهم وأقتصر على دليل واحد فقط اختصاراً للوقت وهو  حديث وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فقال رسول الله ﷺ : «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» رواه مسلم[20].

فوصية النبي ﷺ عند حصول منع الحقوق والجور والأثرة هي الصبر ولزوم السمع والطاعة، وأما منهج الخوارج القدامى والمعاصرين فهي التأليب على الثورات والتمرد ونزع اليد من الطاعة والعياذ بالله، وأول رؤوس الخوارج كان سبب ضلاله قضية سياسة النبي ﷺ المالية فإنه اعترض على النبي ﷺ إعطاءه المؤلفة قلوبهم وجابهه بالكلام القبيح الخبيث فقال له (اعدل يا محمد فإنك لم تعدل) وقال له (هذه قسمة ما أريد بها وجه الله) والعياذ بالله، وقد سار على هذه الطريقة الخوارج من بعده فأكثر ما يؤلبون به  الناس على ولاة أمورهم قضية المال وتوزيع الثروات، وعلى كل مسلم أن يلزم وصية النبي ﷺ بلزوم السمع والطاعة وأن يحذر مناهج الخوارج ويحذّر منها.

المسألة الثانية:

حين نسمع مصطلح العدالة الاجتماعية فإن كثيراً من الناس تنصرف أذهانهم إلى كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) لسيد قطب باعتباره كتاباً ذا أهمية في الموضوع، وأرى من النصح لمستمعي هذه الكلمة أن أقول إن هذا الكتاب وإن كان عنوانه عن العدالة الاجتماعية إلا أنه في الحقيقة لم يعدل هو مع المجتمع المسلم كله في مشارق الأرض ومغاربها إذ قرر في ص 183  (من الطبعة الشرعية الثالثة عشرة التي رجعتُ إليها) بأن الحياة الإسلامية قد توقفت في جميع أنحاء الأرض وأن وجود الإسلام ذاته قد توقف كذلك.

كذلك لم يعدل في حق عثمان رضي الله عنه فزعم في ص 172 أن عهد عثمان كان فجوة في عهد الخلفاء الراشدين والعياذ بالله وأن الامتداد الطبيعي للخلافة الراشدة عهد أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وهذا لا شك قول خطير مصادم للسنة النبوية ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح، وتكلم عنه في ص 173 وما بعدها بكلام غير لائق ، وزعم أن معارضيه ثار في نفوسهم روح الإسلام وكأنه يعرّض بتوقف روح الإسلام في نفس عثمان رضي الله عنه، ولم يعدل مع معاوية رضي الله عنه كذلك، إلى غير ذلك مما هذا الكتاب من التجني والظلم لأصحاب رسول الله وللتاريخ الإسلامي في أزهى عصوره،

وأي خيرٍ  يُرتجى من فكرِ مفكر ابتدأ حديثه بالطعن في عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه  وختمه بتجريد المسلمين من إسلامهم وتجريد الأرض في زمنه من وجود الإسلام.

أقول هذا نصحاً وتحذيراً لأن الكتاب متداول ورقياً والكترونياً، وكثير من الرسائل والكتابات التي كتبت عن العدالة الاجتماعية التي وقفت عليها ترجع لهذا الكتاب وتنقل عنه وتشيد به، مع أنه كتاب يعزز التكفير، وينفر عن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وبعض الصحابة كمعاوية رضي الله عنه، ويسيء للتاريخ الإسلامي، وكأن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا بهذا المنهج والكتاب قد رد عليه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في كتابه المعروف “مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله ﷺ” فمن شاء الزيادة فليرجع إليه.

 وهنا أَصل إلى نهاية هذه الكلمة التي أسأل الله أن ينفع بها، كما أسأله سبحانه أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا السداد في الأقوال والأفعال، وأن يجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وأن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وأن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة إنه سميع مجيب الدعاء، وفي الختام أتوجه بالشكر لمعالي رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور أحمد بن سالم العامري على عنايته بالوعي الفكري في الجامعة، وبالمراكز البحثية، وتفعيل دورها، والشكر موصول لسعادة عميد البحث العلمي الدكتور سالم اليامي، ولفضيلة الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ مدير مركز الدراسات الشرعية في الجامعة، وأشكركم أنتم أيها الحضور على حسن الإصغاء والاستماع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] – محاضرة ألقيت عن بعد يوم الأربعاء 25/ 8/ 1445هـ ضمن مناشط مركز بحوث العلوم الشرعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

[2] – تفسير ابن عطية (3/ 416)

[3] – صحيح مسلم (3/ 1458)

[4] – صحيح البخاري (8/ 163)

[5] – صحيح ابن حبان (11/ 444)

[6] صحيح البخاري (4/ 175)

[7] – سيرة ابن هشام ت السقا (2/ 661) بإسناد حسن.

[8] – قال ياقوت الحموي: بفتح أوله وسكون ثانية وفتح الخاء المعجمة وآخره سين مهملة، ويقال لها سرخس بالتحريك والأول الأكثر، مدينة قديمة من نواحي خراسان بين نيسابور ومرو. معجم البلدان (3/ 208)

[9] – المبسوط للسرْخسي (16/ 61)

[10] – عيون الأخبار (3/ 243)

[11] – الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء (ص: 223)

[12] – بلوغ المرام من أدلة الأحكام (ص: 227)

[13] – الحث على التجارة والصناعة لأبي بكر بن الخلال (ص: 25)

[14] – عيون الأخبار (1/ 354)

[15] – صحيح مسلم (1/ 416)

[16] – صحيح مسلم (2/ 692)

[17] صحيح البخاري (4/ 130)

[18] – صحيح البخاري (3/ 98)

[19] – السياسة الشرعية – دار ابن حزم (ص: 43)

[20] – صحيح مسلم (3/ 1474)


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *