العنوان : استقبال شهر رمضان 1446هـ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله ربَّكم، واستعينوا على طاعته بما رزَقكم، واشكروه على نعمه كما أَمَركم، يزدكم من فضله كما وَعَدكم.
عباد الله: إننا على أبوابِ شهرِ رمضان، الشهرِ الذي تفضل اللهُ به على هذه الأمة، وشرَعَ لهم صيامَهُ وقيامَه، وخصَّهم فيه بليلةٍ هي خيرٌ من ألفِ شهر، الشهرِ الذي أنزل فيه القرآن، وفيه تُفتَّحُ أبوابُ الجِنان، وتُغلّق أبوابُ النيران، وتُصَفَّدُ فيه مرَدَةُ الشياطين.
فرض اللهُ علينا فيه الصومَ وهو غنيُّ عن جوعِنا وظمئِنا، وما افترضَ علينا صومَه إلا لمصلحتنا نحن، وعلى رأسِ تلك المصالحِ أن يكونَ عوناً لنا على تقوى الله تعالى، التقوى التي عليها مَدارُ السعادةِ والفلاح، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالصومُ يُربّي الصائمَ على مراقبةِ الله تعالى في السِّر، والصومُ يضيّق مجاريَ الشيطانِ من ابنِ آدم فلا يَقْوَى عليه كما يَقْوَى عليه في غيره، وتُصفّد فيه مَرَدةُ الشياطين، فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه من الإغواء والإفساد الذي يتوصلون إليه في غيرِه.
وشرع لنا الصوم ليكون مدرسةً نتعلمُ فيها الإخلاصَ لله تعالى، فلا نبغي بعبادتنا أحداً سواه، لأن الصوم عبادةٌ خالصةٌ من الرياء، وهذا أحدُ المعاني التي فُسِّرَ بها قولُ الله تعالى في الحديث القدسي : “كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصوم فإنّهُ لي وأنا أَجْزِي به” وأكّدَ النبي ﷺ على أمته أن تستحضرَ الإخلاصَ في صيامِها وقيامِها حتى تنالَ موعودَ ربِّها بغفرانِ ذنوبِها فقال ﷺ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وقال ﷺ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»
وشرع اللهُ لنا الصومَ ليكونَ مدرسةً نتربى فيها على مكارمِ الأخلاقِ ومعالِيها من الصبرِ والحِلْم، والسَّكينةِ والوقار، والرحمةِ والإحسانِ، وغيرِ ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنِها قال ﷺ: “قَالَ اللَّه عَزَّ وجلَّ: كُلُّ عملِ ابْنِ آدَمَ لهُ إِلاَّ الصِّيام، فَإِنَّهُ لِي وأَنَا أَجْزِي بِهِ. والصِّيام جُنَّةٌ فَإِذا كَانَ يوْمُ صوْمِ أَحدِكُمْ فَلاَ يرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أَوْ قاتَلَهُ، فَلْيقُلْ: إِنِّي صَائمٌ. والَّذِي نَفْس محَمَّدٍ بِيدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيبُ عِنْد اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. للصَّائمِ فَرْحَتَانِ يفْرحُهُما: إِذا أَفْطرَ فَرِحَ بفِطْرِهِ، وإذَا لَقي ربَّهُ فرِح بِصوْمِهِ” متفقٌ عَلَيْهِ.
وشرعَ اللهُ الصوم ليكونَ سبباً لنيلِ الكرامةِ التي أَعدَّها اللهُ لمن صامَ حقاً وصدقاً، فقد قال ﷺ “إِنَّ فِي الجَنَّة بَاباً يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ” متفقٌ عَلَيْهِ.
فما أعظمَ شهرَ رمضان، وما أجلَّ شأنَه، وما أسعدَ مَن فسحَ اللهُ في أَجَلِه فبلَّغهُ الشهرَ ثمَّ وفَّقَهُ وأعانَهُ على صيامِهِ وقيامِهِ إيماناً واحتساباً، جعلني اللهُ وإياكم منهم. أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الذي منَّ علينا بنعمةِ الإسلام، وشرَعَ لنا الصيامَ والقِيام، والصلاةُ والسلامُ على مَن أنزلَ اللهُ عليهِ القرآنَ في رمضان، هُدىً للناسِ وبيناتٍ من الهُدى والفُرقان، وعلى آلهِ وصحبهِ ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أما بعد:
فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله وبأن نستقبل شهرَ رمضانَ بالفَرحِ والسُّرور بفضلِ الله ورحمته، وأن نستعدَّ له بالتفقهِ في أحكامهِ وآدابه، فإنَّ العلم الشرعي هو الـمُصَحِّحُ للعبادات، والمعينُ على الوصول إلى أعلى المقامات.
ثانياً: حفظُ شهرِ رمضانَ من الذنوبِ، فالصومُ وقايةٌ عظيمة من النار ما لم يَخرق الصائمُ هذه الوقايةَ بمعصيةِ الله عزَّ وجلَّ.
ثالثاً: المحافظةُ على الصلاة مع الجماعة والمحافظةُ على صلاة التراويحِ وقيامِ الليل، والإكثارُ من تلاوةِ القرآن الكريم، وأن نستمرَّ مواظبينَ على قيامِ رمضانَ، وعلى الإكثارِ من تلاوةِ القرآنِ إلى آخرِ الشهر، بل نحرصُ على أن نكونَ في آخرِ الشهرِ أنشطَ منَّا في أوّله؛ تأسياً بنبينا ﷺ.
رابعاً: العنايةُ بإطعام الفقراءِ والمساكينِ فإنَّ النبيَّ ﷺ كان أجودَ الناسِ بالخير، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان فجودوا وأحسنوا والله يحب المحسنين.
خامساً: الحرص على صلة الرحم وإصلاح ذات البين، وإنهاء التدابر والتهاجر لأجل الدنيا وحظوظ النفس، فإن الشحناء مُوْقِفَةٌ للمغفرةِ وقَبولِ العمل حتى يصطلحَ المتخاصمان.
اللهم بلغنا رمضان وارزقنا صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك واجعل عملهم في رضاك يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وفقكم الله وأعانكم وبارك جهودكم ونفع بها العباد والبلاد وجزاكم الله خيرا على جهودكم المباركة
وبارك فيكم ونفع بكم