العنوان : من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أما بعد إخوةَ الإيمان: فقد أوصى النبيُّ ﷺ أبا ذر رضي الله عنه وصيةً عظيمةً جليلة، وهي وصيةٌ له ولكلِّ مسلم، مَن عمل بها عاشَ عِيشةً سعيدة، وسلك طريقةً رشيدة، وكانت عاقبةُ أمره في الدنيا والآخرة عاقبةً حميدة.
قال رضي الله عنه:
أوصاني خليلي ﷺ بخصالٍ مِن الخيرِ: (أوصاني بألَّا أنظُرَ إلى مَن هو فوقي، وأنْ أنظُرَ إلى مَن هو دوني، وأوصاني بحبِّ المساكينِ والدُّنوِّ منهم، وأوصاني أنْ أصِلَ رحِمي وإنْ أدبَرتْ، وأوصاني ألَّا أخافَ في اللهِ لومةَ لائمٍ، وأوصاني أنْ أقولَ الحقَّ وإنْ كان مُرًّا، وأوصاني أنْ أُكثِرَ مِن قولِ: لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ فإنَّها كنزٌ مِن كنوزُ الجنَّةِ) رواه ابنُ حِبّانَ في صحيحه.
أما الوصيةُ الأولى: فهي أن ينظرَ في أُمورِ الدنيا إلى مَن هو أسفلَ منه، يعني إلى مَن هو أقلُّ منه مالاً وولداً، وأهلاً وسكناً، وملبساً ومركباً، وجاهاً ومنصباً، وصحةً وقوة، وغيرَ ذلك من حظوظ الدنيا، فإذا رأيتَ من فُضِّل عليك في الدنيا فانظر إلى من فُضِّلتَ عليه في الدنيا، عندها ستذكرُ قَدْرَ نعمةِ الله عليك، فينشرحَ صدرُك، وتقرَّ عينُك، وتسكنَ نفسُك، وتعلمَ أنك تتقلب في نِعمٍ عظيمة، فاذْكرَها ولا تنْسَها، واشْكرَها ولا تكْفرَها.
والوصيةُ الثانية: حبُّ المساكينِ والدنُوُّ منهم، والمقصودُ بالمساكين الفقراء والضعفاء الذين يخافونَ الله ويتقونه، فإنّ حبَّ المساكينِ لِـمَسْكَنَتِهم وقِلَّةِ ذاتِ أيديهم، والدنوَّ منهم، والإحسانَ إليهم علامةٌ على تواضعِ العبدِ وبعدهِ عن الكِبر، وعلامةٌ على أنّ حبّهُ لهم حبٌّ صادقٌ لله تعالى، إذ ليس معهم من الدنيا ما يُحبُّون لأُجله، أو يُطمَعُ فيهم بسببه.
والوصية الثالثة:
صلةُ الرحم وإن أَدْبرت، وقَطَعتْ وأساءتْ، فإنّ صلةَ الرحم خُلُقٌ عظيم، وركن متينٌ من أركانِ مكارمِ الأخلاقِ في الإسلام، جعلَ اللهُ صلتَها سبباً لصلتهِ لعبده، وبركةِ مالِه، وبركةِ عُمره، ودخولهِ الجنة، كما أنه جعل قطيعتَها سبباً لقطعهِ لعبده، ومحْقاً لبركةِ المال والعمر، ومانعاً من دخولِ الجنةِ والعياذُ بالله. أقولُ هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأنيبوا إليه واستغفروه، واشكروه على نعمه ولا تكفروه.
إخوة الإيمان: بعد أن أوصى النبيُّ ﷺ أبا ذر رضي الله عنه بِصِلَةِ الرحمِ وإن أدبرتْ، أوصاه بقولِ الحقّ ولو كان مُرّاً، ويدخل فيهِ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر، والصدقُ في البيعِ والشراء، وأداءُ الشهادةِ التي في كَتْمِها ضياعُ حق، أو إحقاقُ باطل.
ثم أوصاه ﷺ أن يُكثر من قولِ “لا حول ولا قوة إلا بالله”، وهي كلمة عظيمة من معانيها اعترافُ العبدِ أنه لا تحوّلَ له عن معصيةِ الله إلا بالله، ولا قُوّةَ له على طاعة اللهِ إلا بالله، ومِن فضائلها أنّها كَنْزٌ من كنوزِ الجنة، ومَن قالها غرست له نخلةٌ في الجنة، ويغفرُ الله بها الذنوب، ويُعين بها العبدَ على ما يُهِمُّه من الأُمور، فمَن لازَمها وأكثرَ منها غُفِرَتْ ذُنوبُه، وتيسّرَتْ أمورُه بإذن الله. وبعضُ الناس يظنُّها كلمةُ استرجاعٍ عندَ المصيبة وليسَ كذلك، فالمشروعُ عند المصيبةِ قولُ “إنا لله وإنا إليه راجعون”. نسأل اللهَ تعالى صدقَ التوكّلِ عليه، وحُسْنَ الإنابةِ إليه. إنه سميع الدعاء.
ثم اعلموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه ﷺ، فقال في مُحكَم التنزيل: ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا ﴾.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألُك الإخلاصَ في القولِ والعملِ، اللهم أحيِنا مُسلمين، وتوفَّنا مُسلمين، وألحِقنا بالصالِحين غيرَ خزايا ولا مفتُونين. اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ. اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين. عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.