العنوان : التحذير من جهلة مفسري الأحلام
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
“يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ” [آل عمران: 102]
أما بعد: فإن من القضايا التي تجدر العناية بها، والسعي في علاجها قضية تصدر الجهال لتفسير الرؤى والأحلام وتعبيرها عبر وسائل التواصل الحديثة، ومن أسباب كثرتهم أنها صارت صناعة تجلب لهم المال والشهرة.
فعلى كل مسلم أن يتقي الله تعالى، وأن لا يخوض في تفسير الرؤى إلا عن علم وبصيرة ومراعاة للأحكام الشرعية المتعلقة بتعبير الرؤى.، فإن الدخول في تفسير الرؤى مع الجهل وقلة الورع، وشدة الطمع في المال والشهرة جر كثيراً من المفاسد،
فمن المعبرين من يزين للناس البدع والمحدثات في الدين فيفسد عقائدهم، ويلوث فطرتهم، ويستدرجهم بهذا التفسير إلى عبادة القبور والأضرحة، أو يستدرجهم إلى الثورات والخروج على ولاة الأمور.
ومن المعبرين من يكاد يوهم متابعيه أنه يعلم المغيبات فيتحدث عن مستقبل صاحب الرؤيا بصيغة الجازم المستيقن لا بلغة المتوقع الظان، وإذا ظن المسلم أن غير الله تعالى يعلم الغيب فقد هلك فإنه لا يعلم الغيب إلا الله.
ومن المعبرين من يفرق بين الأزواج أو بين الإخوة أو بين الأخوات أو بين الأقارب، وذلك أنه بعد أن يسمع سؤال المتصل عما رأى في نومه ويكون الرائي قد رأى أحد أقاربه أو أحبابه فيقول له هذا الذي رأيته في نومك يكيد لك أو يحسدك أو عمل لك سحراً ونحو ذلك من التفسيرات التي تفضي إلى التقاطع والتدابر والتهاجر والعياذ بالله.
فالحذر الحذر من الانسياق وراءهم وتصديق ظنونهم أو أكاذيبهم.
عباد الله: إن الرؤى لها شأن عظيم فهي من الله تعالى، وهي من المبشرات، وهي جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة، كما جاء في الأحاديث، قال ﷺ «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.» أي «أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِي وَلَا يَبْقَى مَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا سَيَكُونُ إِلَّا الرُّؤْيَا». لذلك لا ينبغي التساهل في تأويلها، ولا التلاعب بها على هوى المعبر، قال ابن عبد البر “وعلمُ تأويل الرُّؤيا من علوم الأنبياءِ وأهلِ الإيمان”. وَقِيلَ لِلإمام مَالِكٍ أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟!
وَقَالَ: لَا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.
قِيلَ فَهَلْ يَعْبُرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا . ثُمَّ قَالَ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ”.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الغلو مذموم في كل شيء، ومن الغلو المذموم المبالغة في الاهتمام بما يراه الإنسان في منامه، وذلك أن ما تراه في النوم قد يكون رؤيا من الله، وقد يكون حلماً من الشيطان وقد يكون حديثَ نفس. كما صح عن النبي ﷺ،
فإذا رأيت ما يسرك فاحمد الله وحدّث به إذا شئت مَن تحبه ويحب لك الخير ولا يحسدك. وإذا أحببت أن تعبرها فاسأل من تثق بدينه وعلمه ، ولا يكن معيار المفسر عندك الشهرة والتصدر في برامج تفسير الرؤى في القنوات,
وإذا رأيت حلماً تخافه وتكرهه فهو من تحزين الشيطان وتخويفه، فابصق عن يسارك، وقم وصل، وانتقل إلى الجنب الآخر، ولا تحدث بما رأيت أحداً فإنها لا تضرك بإذن الله,
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال قال ﷺ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ»” قال أبو سلمة راوي الحديث عن أبي قتادة: «إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ جَبَلٍ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَمَا أُبَالِيهَا». متفق عليه.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمةً للعالمين، فقد أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. وانصر عبادَك الموحدين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جزاكم الله خيرا ونفع بكم فضيلة الشبخ