العنوان : اسم الله تعالى (الفَتّاح).
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتَّقوا اللَّه تعالى حقَّ التَّقوى، وراقبوه في السرِّ والنَّجوى.
فلله تعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى، ومن أسمائه تعالى (الفتاح) قال جل وعلا (وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) وقال شعيب عليه السلام فيما قص الله عنه: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
وهو اسم عظيم جليل، يتجلى معناه وآثاره في أمور كثيرة لا تعد ولا تحصى:
فمنها أنه الذي فتح لعباده أبواب الهداية إلى ما يرضيه من التوحيد والأعمال الصالحة التي ينال بها العبد الجنة، وينجو بها من النار. فأرسل الرسل وأنزل الكتب، ولولا هذه النعمة لكان الناس كالبهائم أو أضلَّ سبيلاً.
ومن آثار اسمه الفتاح أنه يفتح قلوب من يشاء من عباده إلى قبول ذلك الهدى الذي جاءت به الرسل عليهم السلام، ويشرح له صدورهم برحمته وفضله، ولو لم يفتح الله على قلوبهم بذلك لما اهتدوا قال جل وعلا (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ).
ومن آثار اسمه الفتاح أنه يفتح على من يشاء من عباده بالعلم النافع علم الكتاب والسنة فالله تعالى هو الـمُعلِّم وهو الـمُفَهِّم وهو الهادي إلى سواء الصراط قال عز وجل(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) وقال ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» متفق عليه. فليجتهد المسلم في التفقه في دينه، مع العمل به، وسؤال الله تعالى أن يُعلِّمه ما ينفعه، وأن ينفعه بما عَلَّمه وأن يزيدَه علماً.
ومن آثار اسمه الفتاح أنه فتح لعباده أبوابَ التوبة، وجعل للتوبة باباً من جهة المغرب عرضه مسيرةُ سبعين عاماً لا يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها كما في الحديث. فلا يقنطنَّ أحد من رحمة الله، قال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) ولا يُسوّفْ أحدٌ في التوبة فإنَّ العُمرَ، محدود والأجلَ مجهول.
ومن آثار اسمه الفتاح أنه وحده الذي يفتح أبواب الرزق والبركة والخير، قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
فإذا عرف العبد أن الأرزاق خزائن وأن مفاتحها بيد الله وحده وجب عليه أن يتعلق قلبه بالله في طلب الرزق، مع بذله الجهد في طلبه من وجوهه المباحة، ومِن خير ما يُطلب به الرزق والبركةُ فيه تقوى الله تعالى والاستقامةُ على صراطه المستقيم، قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). وقال جل شأنه (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا . لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) وقال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)
ومن آثار اسمه الفتاح أنه يفتح لمن يشاء أبواب الشفاء بعد المرض، والغنى بعد الفقر، واليسر بعد العسر، والأمن بعد الخوف، والفرج بعد الكرب، فكل ذلك بيد الله وحده، لا يملكه أحده سواه قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فادع ربك وحده، وأخلص له الدين وحده، وتعرّف عليه في الرخاء يعرفك عند الشدة. فإن غير الله لا ينفعك ولا يضرك، لا مَلكٌ مُقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل، ولا وليٌّ صالح، قال تعالى (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ). أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وتعرفوا على الله تعالى بأسمائه وصفاته، وادعوه بها وتوسلوا بها إليه، ومن أسمائه تعالى الفتاح كما سبق بيانه، ومن معاني الفتح النصر على الأعداء، والنصر بيد الله تعالى وحده فمن فتح الله له باب النصر انتصر، ومن أغلقه دونه غُلِب قال تعالى (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) وأعظم أسباب النصر توحيد الله تعالى وطاعته، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وتأمل ما وَقع على الصحابة في غزوة أُحد تجد أنه بسبب معصية واحدة قُتل من أصحاب النبي ﷺ سبعون رجلاً، وجُرح النبي ﷺ حتى سال الدمُ من وجهه الشريف ﷺ.
ومن معاني اسم الله تعالى الفتاح أنه هو الذي يقضي بين العباد يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، فاتقوا الله تعالى، وتَحرَّوا العدل واجتنبُوا الظلم، لا تظلموا امرأةً ولا يتيماً، ولا خادماً ولا ضعيفاً، بل ولا دابةً عجماء، فإن الله تعالى لا يرضى الظلم، وسيفتح بين الظالم والمظلوم، ويقضي بينهما في يوم لا يكون الوفاء فيه بالأموال وإنما الوفاء بالحسنات والسيئات والله المستعان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمِنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، وأصلح لهم البطانة يا رب العالمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.