العنوان : اسم الله تعالى (الحفيظ) و (الحافظ)
إنَّ الحمدَ للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يَهده اللَّه فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، صلَّى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللَّه تعالى حقَّ التَّقوى، وراقبوه في السرِّ والنَّجوى.
عباد الله: للَّه تعالى الأسماءُ الحسنى، المُتَضَمِّنةُ لأكمل الصِّفات وأعلاها، ومِنْ أسمائه التي سمَّى بها نفسه، وتعرَّفَ بها إلى خلقه: الحفيظُ والحَافظ؛ أي الذي حَفِظ ما أوجده من المخلوقات بقُدْرته، ولولا حِفْظه لَزالت وذهبت.
فهو الحافظ للسَّمواتُ والأرض وما فيهما من الزوال قال جلَّ شأنه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}، ولكمال قدرته وعلمه وقوته فإن حفظ السماوات والأرض وما فيهما يسير سهل على الله فسبحان الله ما أعظم الله، قال عز وجل {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
وهو الحافظ لكل شيء، فلا مخلوقَ في غنىً عن الله تعالى طَرْفةَ عين ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾
ومن حفظ الله تعالى للعبد أنه وكّل به ملائكة يحفظونه من كل شيء يؤذيه إلا من شيءٍ كتبه الله عليه قال تعالى ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾، قال مجاهد رحمه اللَّه: «مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالهَوَامِّ، فَمَا مِنْهَا شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا قَالَ: وَرَاءَكَ! إِلَّا شَيْئاً يَأْذَنُ اللَّهُ فِيهِ فَيُصِيبُهُ».
ومِن حفظ الله تعالى للمؤمن إذا حفظ حدودَه بامتثال أمره واجتناب نهيه أنه يحفظه من المعاصي، ويوفقه للطاعات، ويلهمه التوبة إذا أذنب، ويجيبه إذا دعاه، ويعطيه إذا سأله، وينجيه عند الكَرْب، قال ﷺ: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ» (رواه الترمذي).
ولما كان الله تعالى هو الحافظ وهو الحفيظ وجب على الموحّد أن يُعلِّق قلبه بالله وحده، فيدعوه وحده ويتوكل عليه وحده، ويستعين به وحده، ويفوّض إليه الأمر وحده، ويستحفظ الله نفسه ودينه وأهله وماله ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ فالعبد وإن فعل أسباب الحفظ إلا أنه لا يتوكل عليها ولا يتعلق بها بل يتوكل الله على الذي بيده حفظ كل شيء.
وقد شرع لنا أن ندعو الله فنقول: «اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» (رواه أبو داود) ومعنى هذا الدعاء طلبُ العبد من ربه أن يحفظه من الشيطان، وأن يحفظه من كل ذي شر من الهوام والإنس والجان، وأن يحفظه من كل بلاء سواء كان نازلاً من فوقه كالصواعق والهدم، أو كان من تحته كالخسف وغيره نسأل الله العافية.
اللهم احفظنا وأهلنا وذرياتنا بحفظك واكلأنا برعايتك وأعذنا من شر كل ذي شر، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد للَّهِ على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسوله، صلَّى اللَّهُ عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليماً مزيداً.
أما بعد: فإن من آثار اسم الله تعالى الحفيظ والحافظ حفظه للقرآن من التغيير والتبديل والزيادة والنقص قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وهذا الحفظ من أجل النعم وأكبرها على العباد ليبقى لهم نوراً وهدى ورحمة إلى أن يُرفع من الأرض ويُمحى من الصدور قبيل قيام الساعة.
ومن آثار اسم الله تعالى الحفيظ والحافظ أنه وكّل بكل عبد ملائكة يحفظون عليه عمله فيكتبون سيئاته وحسناته قال تعالى {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وإذا استحضر العبد ذلك استحيا من الله واستحيا من الحفظة، وطمع في الثواب فاستكثر من الطاعات، وخاف من العقاب فاجتنب المعاصي.
ومن آثار اسم الله الحفيظ في قلب المؤمن أنه يزيد من حبه لربه، فإن النفس مفطورة على حب من يحسن إليها فيحميها ويدافع عنها، والمؤمن قد علم أن ربه يحفظه في نفسه وأهله وماله ودينه، ووكل به كذلك ملائكة يحفظونه في يقظته ونومه، وزوّد جسده بأجهزة دفاعية تصد عنه كثيراً من السموم والأمراض والآفات وهو لا يعلم عنها شيئاً، يفعل به ذلك وهو يعصيه، ويفعل به ذلك وهو غني عنه، فكيف لا يحب العبد رباً يحفظه ويرعاه.
اللهم اجعلنا ممن حفظ حدودك فحفظته، وكنت أمامه وتُجاهه، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمِنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، وأصلح لهم البطانة يا رب العالمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.