جديد الإعلانات :

العنوان : محاسبة المسلم نفسه

عدد الزيارات : 1390

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً:

أما بعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

عباد الله: إن الدنيا دار ممر وعبور وابتلاء، وهي دار مليئة بالمنغصات، بعد صحتها مرض، وبعد فرحها حزن، وبعد صفائها كدر، وبعد اجتماعها فراق، وبعد حياتها موت، وإن الحياة الحقيقية هي حياة أهل الجنة، هي الحياة الدائمة الخالدة، في شباب بلا هرم، وصحة بلا مرض، وسرور بلا حَزَن، وأمن بلا خوف، ورضى من الله ليس بعده سخط ولا غضب.

فلتلك الدار فليعمل العاملون، وفي تلك الدار فلتنافس المتنافسون، قال تعالى {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.

وقال تعالى {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}

ثم قال تعالى بعد ذلك: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}.

فالحذر الحذر أن نغتر بالحياة الدنيا: بزخرفها وشهواتها ووساوس شياطينها قال {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}

فحذرنا الله تعالى من الافتتان بالدنيا وحذرنا من الاغترار بالشيطان، وأخبر أنه عدوٌّ بيّنُ العداوة، يزين للناس السوء والمنكر والفحشاء.

بهذا الاغترار تُضيّعُ الصلواتِ والجماعات، وبهذا الاغترار يؤكل المالُ الحرام، وبهذا الاغترار يُنتهك الفرج الحرام، وبهذا الاغترار يَلَغُ الوالغ في العِرض الحرام. وبهذا الاغترارِ يُسفك الدم الحرام.

لذاتٌ عاجلة فانية يؤثرها من سَفِه نفسَه على اللذاتِ الدائمة الخالدةِ فتفنى تلك اللذاتُ وتبقى التبعات، ما لم يتدارك العبد نفسه فيتوبَ توبةً نصوحاً قبلَ الفوات. {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} أقول هذ القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وتجنبوا الاغترار بالدينا بكثرة محاسبة أنفسكم قبل أن تحاسبوا، حاسبوها على الأقوال والأفعال صغيرها وكبيرها، فإن ربكم وإن كان كريماً رحيماً واسع المغفرة، فإنه أيضاً شديد العقاب، عزيز ذو انتقام، قد حذّر عبادَه نفسَه.

هذا نبينا ﷺ الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وجدَ مرة تمرة على فراشه فأكلها ثم جعل يتوجع ويتَضَوّر آخرَ الليل ولم ينم حتى فزعت زوجته وسألته عن حاله فقال ” إني وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا، فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ” فلما خشي أن تكون تلك التمرة من الصدقة وهي لا تحل له لم ينم تلك الليلة خوفاً من الله. صلوات الله وسلامه عليه.

وهذا أبو بكر الصديق خير الأولين والآخرين بعد النبيين  والمرسلين، كان يحاسب نفسه ويراجع عمله حتى دخل عليه مرة عمر فوجده خالياً بنفسه يجذب لسانه فقال له (مَهْ. غفرَ الله لك؟) فقال: (هذا أوردني الموارد)، أي لساني أهلكني وأوقعني في الذنوب، وما عسى أن تكون تلك الكلمات التي خشي الصديق على نفسه منها رضي الله عنه وهو الصدّيق البَكّاءُ من خشية الله، القائم بحدود الله رضي الله عنه وأرضاه.

عباد الله إن الله قد أمرنا أن نحاسب أنفسنا ونستعد لآخرتنا فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} اللهم أيقظنا من غفلتنا وارزقنا الاستعداد لآخرتنا، واجعلنا ممن حاسب نفسه وتزين للعرض الأكبر عليك يا رب العالمين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

اضغط هنا لتحميل الخطبة بصيغة وورد

اضغط هنا لتحميل الخطبة بصيغة pdf منسقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *