العنوان : نعمة الأمن وضرورة المحافظة عليها
الحمد الله الذي أنعم علينا بالأمنِ والإيمان، والسلامةِ والإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعدَ الموحدين بالأمنِ من الخوف، والهدايةِ من الضلال، فقال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)
وأشهدُ أنّ محمداً عبده ورسوله، من اتّبعه أفلحَ واهتدى، وفازَ بالأمنِ ونجا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وتذكروا نِعمَ اللهِ عليكم، وقَيِّدُوها بالشكر، فمَن شكرَ اللهَ على نعمهِ زادَه، ومَن كفرَها شَدّدَ اللهُ عليه عذابَه، قال تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
وإنَّ أَولى النعمِ بالشكرِ بعد نعمةِ الإسلام والسنّة نعمةُ الأمنِ في الأوطان، لأنَّ الأمنَ إذا استتبَّ سكنتِ النفوس، واطمأنّتِ القلوب، وانشرحتِ الصدور، وعُصِمَتِ الأرواح، وحُفِظتِ الأعراض، وصِيْنتِ الأموال، وساغَ الطعامُ والشراب، وطابَ النوم والرقاد، وسادتْ بين الناسِ المحبَّةُ والأُلفة، وتَعاونوا على فعلِ الخير، وتفرَّغوا لعبادةِ ربِّهم، وعِمارةِ دنياهم، وأُمنتِ السبلُ والطُّرُق، وتقلّبَ الناسُ في مناكبِ الأرضِ لتحصيلِ العلومِ النافعة، والمكاسبِ المباحة، والاستجمامِ بعد العناءِ، والتزاورِ بين الأَرحامِ والأصدقاء. ولذلك نجدُ النبيَّ ﷺ يجعلُ الأمنَ وما يتوفرُ معه من القُوتِ والعافيةِ هو كلُّ نعيمِ الدنيا. قال ﷺ: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا” رواه الترمذي وقال حسن غريب.
ولعِظَمِ شأنِ الأمنِ بدأَ به الخليلُ عليه السلام في دعائه لمكةَ وأهلِها قال تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ”.
وأما إذا اختلَّ الأمنُ واضْطرَب، وحَلّ مَـحِلَّهُ الخوفُ والرَّهَب، سُفِكتِ الدماء، وهُتِكتِ الأعراض، وسُلبِتِ الأموال، وتعطَّلتِ الجُمَعُ والجماعات، وقُطِّعتِ السُّبل، وارتفعتِ الأسعار، وقَلَّتِ الـمُؤَن، وشَحَّتِ الأَقْوَات، وصارَ بأسُ أهلِ البلدِ الواحدِ بينَهم، وتسلّطَ عليهم عدوُّهم من غيرِهم، وتشرّدَ أهلُ البيتِ الواحدِ في الأقطار، ووقعَ من الأهوالِ والفظائعِ ما لا يخطرُ على البال، ومَن تأمّل ما وقعَ لبعضِ البلدان التي تبدّلَ حالُها من الاجتماعِ إلى الافتراق، ومن الأمنِ إلى الخَوفِ، أدركَ عواقبَ فقدانِ الأمن، وخطرَ كُفرانِ النِّعَم، فحافظوا على نعمةِ الأمنِ بالتمسكِ بالتوحيدِ والسنة، والثباتِ على الطاعات، واجتنابِ المعاصي والمنكرات، ولزومِ الجماعة والسمعِ والطاعة، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتَحَوُّلِ عافيتِك، وفُجاءَةِ نقمتِك، أقولُ هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل طاعته سبباً لرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يغفر الذنبَ ويقبل التَّوْبَ ويمهلُ مَن عصاه. وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله قام الليل حتى تفطّرتْ قدَماه، شُكراً لربه على ما أنعمَ عليه مِن مَغفرتهِ وأعطاه، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
أما بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله، واعلموا أن المحافظةَ على الأمنِ مسؤوليتُنا جميعاً، لأن ثباتَ الأمنِ مصلحةٌ للجميع، وذهابُهُ – لا قدّرَ الله- هَلاكٌ للجميع، ومِن أعظمِ ما يُحفظُ به الأمنُ القيامُ بطاعتهِ جلَّ وعلا واجتنابُ معصيتِه، فمن اغتنمَ ما هو فيهِ من الأمنِ فاشتغلَ بطاعةِ ربه، واجتنبَ معصيتَه فقد شكرَ هذهِ النعمة.
ومن أعظم ما يُحفظُ به الأمنُ لزومُ السمعِ والطاعةِ لولاةِ الأمرِ في المعروف، فإن التفافَ الرعية حَوْلَ وليِّ أمرِها، وتوقيرَها له، ومحبتَها له، ودعاءَها له بالخير، وإقفالَها آذانَها عن السماعِ للشائعاتِ الـمُغرِضة، والأخبارِ السيئة، التي تَذُمُّ وليَّ الأمر، وتذْكُرهُ بالسوءِ لأجلِ تنفيرِ الرعيةِ عنه، ونَقْلِ ولائها عنه إلى جهاتٍ أخرى، إنَّ كلَّ ذلك من أسبابِ تثبيتِ الأمن، وقطعِ الطريقِ على المفسدينَ من أهلِ الفتنِ كالخوارجِ وجماعةِ الإخوانِ والسروريةِ وغيرِهم مِمّنْ يَكيدونَ لبلادِنا ليلَ نهار، خيّبَ الله سعيَهم، وجعلَ الدائرةَ عليهم.
عبادَ الله: إنَّ لزومَ الجماعةِ والسمعِ والطاعة واجبٌ شرعيٌّ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال ﷺ: “وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي” رواه مسلم.
وإذا كان لزومُ الجماعةِ نعيماً عاجلاً لآثارهِ الحَميدةِ في تثبيتِ الأمن فهو أيضاً من أسباب أعظم النعيم في الآخرة، قال ﷺ: “مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الجَمَاعَةَ” رواه الترمذي وصححه. جعلني الله وإياكم من أهلها.
اللهم ثبِّتْ أمنَنا، ووحِّدْ كلمتنا، وادحرْ عدوَّنا، وباركْ لنا في قيادتِنا، وأوزعنا شُكرَ نعمتِكَ علينا، إنك سميعُ الدعاء، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشركَ والمشركين، اللهم وفِّقْ إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين لكل خير وانصر به دينك، وأعلِ به كلمتك، وألبسه ثياب الصحة والعافية، اللهم وفِّق وليَّ عهدِه الأمين، وزده من فضلك، واستعمله في طاعتك وأصلح له البطانة يا رب العالمين. ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.