العنوان : الترغيب في الاستكثار من العمل الصالح في شعبان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، وتقربوا إليه بالأعمالِ الصالحات، وتداركوا الأعمارَ قبلَ الفوات، فالسعيدُ من اغتنم فراغَه قبلَ شُغْلِه، وصحتَهُ قبلَ سُقْمِه، وحياتَهُ قبلَ موتِه، فآمنَ باللهِ وعمِلَ صالحاً ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
عباد الله:
إننا بين يَدي شهرٍ كريمٍ مباركٍ شهرِ رمضان بلغني اللهُ وإياكم صيامَهُ وقيامَه، فاستعدّوا له خيرَ استعداد، وتأَسُّوا في استقبالهِ بنبيكم ﷺ وبسلفِكم الصالح، فقد كان النبيُّ ﷺ يكثرُ من الصومِ في شعبان، ومن حِكَمِ إكثارهِ من الصوم فيه أن يكونَ عوناً له على صيامِ رمضان، فإنَّ النفسَ إذا أَلِفَتِ العبادةَ سَهُلَتْ عليها ولو كان فيها مَشقّة، بل ستجد لها بعد ذلك حلاوة ولذّةً . بخلاف مَن يدخلُ عليه رمضانُ وعهدُه بعيد بالصومِ، فإنه قد يجدُ فيه ثِقَلاً ومَشقّة، حتى ترى بعضَهم أول أيام صيامه ضائقَ الصدرِ سريعَ الغضبَ، مالّاً شهرَ الصوم، بخلاف من اعتادَ الصومَ وأَلِفَه.
عباد الله:
كان سلفُكم الصالحُ يكثرون في شعبانَ من تلاوةِ القرآن الكريم فيما رُويَ عنهم، فذكر ابنُ رجبٍ في لطائفهِ أَنّ سَلَمة بن كُهيل قال: “كان يُقالُ شهرُ شعبانَ شَهرُ القُرّاء”، و”كان حَبيبُ بن أبي ثابت إذا دخلَ شعبانُ قال: هذا شَهرُ القُرّاء”.
فاغتنموا هذه الأيامَ بالإكثارِ من تلاوةِ القرآن الكريم فما قيلَ في حِكْمةِ الإكثارِ من الصومِ في شعبان يُقالُ مثلُهُ في الإكثارِ من تلاوةِ القرآن فيه، فإنَّ المسلمَ إذا أكثرَ من التلاوة في شعبان كان عوناً له على الإكثارِ من التلاوةِ في رمضان الذي هو شهرُ القرآن، ومن عوائدِ القرآن أنه يَسْهُلُ على مَن أكثرَ تلاوتِه قال ابنُ حَجَرٍ رحمهُ الله: “الَّذِي يُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ -أي على تلاوته نظراً أو غيباً- يَذِلُّ لَهُ لِسَانُهُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ فَإِذَا هَجَرَهُ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَشَقَّتْ عَلَيْهِ» اهـ
فما أَحسنَ التّأَهُبَ لتلقي رمضانَ بالإكثارِ من الصيام، والإكثارِ من تلاوةِ القرآن، والإكثارِ من الصدقة، قال ابن رجب: “رُوِّينا بإسنادٍ ضعيف عن أَنَس قال: “كان المسلمون إذا دخلَ شعبانُ انكبُّوا على المصاحفِ فقرؤوها، وأَخَرَجُوا زكاةَ أموالهم؛ تقويةً للضعيف والمسكينِ على صيامِ رمضان”.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أَنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد:
فاتقوا اللهَ عبادَ الله وأطيعوه، وتوبوا إليهِ واستغفروه، وأكثروا من ذكرهِ واشكروه، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
عباد الله:
مَن كان عليه قضاءٌ من رمضانَ الفائت، فليبادِرْ إلى قضائهِ قبلَ دخولِ رمضان، فإن القضاءَ واجب، والمبادرةَ إليه مستحبة، وتأخيرَه حتى يدخلَ رمضان من غيرِ عذرٍ حرام، قالت عائشة رضي الله عنها «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ» متفق عليه.
معاشر المؤمنين:
صلوا وسلموا على المبعوث رحمةً للعالمين، فقد أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين.
اللهم آمِنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، وأصلح لهم البطانة يا رب العالمين.
“رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”.
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.