العنوان : من صفات الصحبة الصالحة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، واستعينوا على تقوى الله بصحبة الأتقياء فإن المرء على دين خليله، بل إن صحبة الأتقياء هي من تقوى الله؛ لأنها مأمور بها شرعاً، قال جلَّ وعلا (وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا)
وقال ﷺ “المرءُ على دينِ خليله فلينظرْ أحدُكم مَنْ يُخالِلْ” أي إنَّ الإنسانَ على عَادَةِ صَاحبهِ وطريقتِه وَسيرَتِه فَلْينْظرْ أحدكُم بعينِ العقلِ والبصيرةِ مَن يُخالِل، فَمن رضيَ دينَهُ وخُلُقَهُ خالَـلَهُ، وَمن لم يرضَ دينَهُ وخُلقَهُ تجنّبَه، فَإِنّ الطباع سَرّاقَة، ومَن أحبَّ شيئاً انجذبَ إليه شاءَ أم أبى.
وقال ﷺ ” لا تصاحبْ إلا مؤمناً ولا يأكلْ طعامَكَ إلا تقي” أي لا تتخذْ صاحباً تعاشره وتخالطه، وتشاركهُ الطعامَ والشرابَ إلا المؤمنَ التقي، لأنَّ الـمُطاعَمَةَ تُثَبِّتُ الأُلفة والمودةَ في القلوب، وإذا وادَدْتَ من ليس تقياً تأثرتَ به، فَجرَّكَ إلى ما هو فيه من المعاصي والآثام، وصرتَ مثله في الفِسقِ وضَعفِ الإيمان.
وقال ﷺ: « إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» ففي هذا الحديث الحثُّ على صحبةِ الصالحين، لأنّهم يُكْسِبونكَ حكمةً نافعة، أو خُلقاً حميداً، أو دعوةً مباركة، أو يأمرونك بمعروفٍ أو يَنْهَوْنَك عن منكر، أو تكتسبَ بسببِهم سُمعةً طيبةً بين الناس،
وفي هذا الحديثِ التحذيرُ من صحبةِ أهلِّ الشر والسُّوء، لأنهم يُكسبونكَ ما يَضُرّكَ في دينِك مِن فِعلِ معصية، أو تَركِ واجب، أو خلقٍ ذميم، أو سُمعةٍ سيئة بين الناس، فإن المرءَ يُوزنُ بمن يجالِسُهم ويماشيْهم، أو يضرونكَ في دنياك، فكم من شبابٍ تعثّروا في دراستِهم، أو فُصِلوا من وظائفهم، أو تهدمتْ بيوتُهم بسببِ رفاقِ السوء الذين جَرُّوهم إلى هذهِ العواقبِ الوخيمة.
نسأل الله تعالى العصمة من صحبة الأشرار، وصداقة الفجار، ونسأله سبحانه صحبة الأخيار، ومودة الأبرار، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتأملوا صفةَ الأصحابِ الذين أَمرَ اللهُ نبيَّهُ ﷺ بصبرِ نفسِه على صحبتهم في قوله تعالى (وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا )
وإننا إذا تأملنا هذه الصفات وجدناها صفاتٍ عظيمةَ الشأن:
أولها: أَنّهم من المحافظين على صلاة الجماعةِ ولا سيما صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصر، ومَن حافظ عليهما كان على سواهما أشدَّ محافظة.
ثانياً: أنهم من أهلِ التوحيد والصدقِ والإخلاص لله تعالى، وليسوا أهل نفاق ورياء.
ثالثاً: أن قلوبهم حيةٌ مستيقظة فهم يذكرون الله تعالى بألسنتِهم وقلوبِهم، ويطيعونهُ جل وعلا فيمتثلونَ أمره ويجتنبون نهيه.
رابعاً: أنهم حكّموا الله ورسوله ﷺ في أنفسهم، فلا يتبعون الهوى في أقوالهِم ولا أفعالهِم ولا أخلاقِهم ولا معاملاتِهم.
خامساً: أنهم أهلُ حزمٍ ومبادرةٍ في مصالحِ دينِهم ودنياهُم ليسوا أهلَ عجزٍ ولا كسَلٍ ولا تسويفٍ تذهبُ أعمارُهم وأوقاتُهم سدى.
ولا شكَّ أنّ من كان كذلك كان من أهلِ السعادةِ في الدنيا والآخرة، وحقيقٌ بمن هؤلاءِ أصحابه وأخدانُه وجلساؤهُ وخِلّانه أن يكون مثلَهم أو قريباً منهم أو خيراً منهم.
رزقني الله وإياكم في الدنيا صحبة الصالحينَ الأتقياءِ السعداء، وفي الآخرةِ رفقةَ الأنبياءِ والصديقينَ والشهداء. إنه سميع مجيب الدعاء. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وولي عهده بتوفيقِكَ، وأيِّدْهم بتأييدِكَ، اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)