العنوان : مشروعية الاستخارة والترغيب فيها
الحمد لله الذي يخلق ما يشاء ويختار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المصطفين الأخيار، وسلم تسليماً ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، وتوكلوا عليه، وفوضوا أموركم إليه، فمن توكل على الله كفاه، ومن فوض أمره إليه وفقه وهداه، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}
عباد الله:
من المعلوم أن كل إنسان له أمانٍ وآمال، ورغباتٌ وحاجات، وقد يرغب في شيءٍ رغبةً شديدة ثم يتبين أنها كانت شراً له في دينه أو دنياه أو فيهما معاً، وقد يكره الشيء ويزهد فيه ثم يتبين أن الأمر كان بخلافه، والسبب في ذلك أن الإنسانَ لا يعلم الغيب، والعقولُ مهما رجحت فقد تخطئ التقدير، لذلك شرع اللهُ لنا أمرينِ اثنينِ تنبغي العنايةُ بهما عند إرادة أمر من الأمور لا سيما التي لها شأنٌ وأثر في حياة الإنسان، كالزواج، والوظيفة والتجارة والمسكن ونحوها.
أما الأمرُ الأول: فهو مشاورةُ أهل الرأي والحكمة والتجربة لا سيما ممن يُوثق بدينه ومودتهِ، وإرادتهِ الخيرَ للمستشير.
قال تعالى في صفات أهل الإيمان ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ وقال تعالى لنبيه ﷺ ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ فلو كان أحد مستغنياً عن المشاورة لاستغنى عنها رسول الله ﷺ لتأييدِ اللهِ له بالوحيِ والهداية، والتسديدِ والإعانة.
وأما الأمرُ الثاني: فهو الاستخارة، ومعنى الاستخارة: طلبُ العبدِ من ربه أن يعطيَهُ خيرَ الأمرين بصفة مخصوصةٍ بيّنَها النبيُّ ﷺ لأُمّتهِ كما في حديث جابر رضي الله عنه الذي يقول فيه:”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ـ وتسميه باسمه ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجله وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به” رواه البخاري بنحوه.
فمن همَّ بأمر وعزم عليه فليستشرْ أهل الرأي والخبرة والتجربة، ثم ليصلِّ ركعتين من غير الفريضة ثم يدعو بعد التسليم منها بهذا الدعاء العظيم.
ثم ليُقْدِمْ على ذلك الأمر الذي همَّ به واستخار اللهَ بشأنه، فإن كان خيراً فإنّ الله سييسره له، وإن كان شراً فسيصرفه اللهُ عنه إن شاء الله.
ولا يلزم أن يَشعُرَ المستخير بانشراحِ صدره بعد الاستخارة أو انقباضهِ، ولا يلزم أن يرى رؤيا تُرجّحُ الفِعْلَ أو التَّرك، بل متى ما استخارَ بصدقٍ وإخلاصٍ فليعزمْ وليتوكلْ على الله، وما حصل بعد الاستخارة فهو اختيارُ الله له إن شاء الله.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفورة الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد الله العليمِ القدير، الحكيمِ الخبير، وأشهد أن لا إله الله وحد لا شريك جل عن المثيلِ والنظير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشيرُ النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
عباد الله:
إن الاستخارة عبادة عظيمة فهي توكل على الله وتفويض إليه، وإظهارُ الخضوع والذلِّ بين يديه، فيها الثناء على الله بعلمه المحيط بكل شيء، وقدرته التامة على كل شيء، وفيها إعلان العبد ضعفه وجهله، وفقره إلى ربه، واعترافه ببراءته من العلم والقدرة، ومن الحَوْلِ والطَوْل، فحقيقٌ ِبَمن صدقَ في استخارتِه أن يختارَ اللهُ لهُ خيرَ الأمور وأحسنَها.
فاحفظوا دعاءَ الاستخارة، ولقِّنوهُ أولادَكم وأَهليْكم، وحُثوهم على حفظه واستعماله، فإن الاستخارة سنّةٌ تكاد تكونُ مهجورةً عند كثيرٍ من المسلمين، أصلح اللهُ أحوالَهم وزادهم بصيرةً في دينهم.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ بتوفيقِكَ، وأيِّدْه بتأييدِكَ، ومتعه بالصحة والعافية يا سميع الدعاء، اللهم وفق ولي عهده الأمين لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه على الهدى، اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾