العنوان : (لا حول ولا قوة إلا بالله) معناها وفضلها
(لا حول ولا قوة إلا بالله) معناها وفضلها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فَاتَّقُوا اللهَ تعالى حقَّ التَّقْوَى، وتوكلوا عليه حق التوكل، “وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ”
عباد الله:
لقد أرشدنا النبي ﷺ إلى قول كلمةٍ قليلةِ المباني كبيرةِ المعاني، تنشرح بها الصدورُ بعد ضيقها، وتتيسرُ بها الأمور بعد تعسيرها، وتنفرجُ بها الكروبُ بعد اشتدادها، كلمةٌ تَحفظُ بها نفسَك وبيتَك وأهلَك ومالَك من العينِ والآفات، وفيها ما لا يُعد ولا يُحصى من الخير والبركات. فما هذه الكلمة؟ إنها “لا حَوْلَ ولا قُوّةَ إلا بِالله”
نَعمْ عبادَ الله:
“لا حولَ ولا قُوّةَ إلا بالله”، كلمةُ توحيدٍ وتسليمٍ لله ربِ العالمين، وإقرارٍ بالضعفِ والعَجزِ والافتقارِ إلى الله رب العالمين.
يعترف فيها المسلم أنه لا يمكن أن يتحولَ من معصيةٍ إلى طاعةٍ إلا بعونِ الله وتوفيقه، ولا يمكن أن يتحولَ من مرضٍ إلى صحةٍ، ومن ضِيقٍ إلى سَعةٍ، ومن حزن إلى سرورٍ، إلا إذا قضى اللهُ ذلك وقدّره وأرادَه.
ويعترف أنه مهما أُوتيَ من صحةٍ ومالٍ وجاهٍ، فلا قوةَ له على فعلِ شيء أو تركِ شيء إلا إذا أعانهُ الله وأمدّه بقوة من عندهِ سبحانه.
إخوة الإيمان:
أكثروا من قول “لا حول ولا قوة إلا بالله”، فقد أوصى النبيُّ ﷺ أمته بالإكثار منها في أحاديث وأخبر أنها كنز من كنوز الجنة، وباب من أبواب الجنة، وأنها غراس الجنة أي من قالها غُرِستْ له غَرسةٌ في الجنة. قال ﷺ لبعضِ أصحابه: “أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى؟ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ” وقال ﷺ لِآخَرَ: “أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، فَقُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: ” قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ” أخرجه مسلم.
وقال الخليلُ لنبينا ﷺ ليلةَ الإسراء: “يَا مُحَمَّدُ مُرْ أُمَّتَكَ أَنْ يُكْثِرُوا غِرَاسَ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ، وَأَرْضُهَا وَاسِعَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِإِبْرَاهِيمَ: «وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ؟» ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ” رواه ابن حبان في صحيحه.
عباد الله:
إن هذه الكلمة لها مواضعُ كثيرةٌ تتأكدُ فيها، فينبغي للمسلمِ أن يراجعَ كتبَ الأذكارِ النبويةِ الصحيحة، أو يسألَ أهلَ العلم ، فإذا عرفَها واظبَ عليها قدرَ استطاعته، فكثيرٌ من الناسِ اليومَ يقولهُا في غيرِ موضِعها، ويدَعُها في موضِعها، فتسمع ُكثيراً من الناس يقولها إذا وقعت مصيبة، مع أن الله أَمرنا أن نقول في المصائب “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وأما “لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله” فأُمِرنا بالإكثار منها في كل حين، وتتأكّدُ في مواضعَ مخصوصة، منها أنها تدخلُ في أذكارِ الأذان عندَ قولِ المؤذنِ “حَيّ على الصلاة” “حَيّ على الفلاح” وتدخلُ في أذكارِ النومِ وأذكارِ الاستيقاظ منه، وأذكار الخروجِ من المنزل، وغير ذلك.
كما تقول (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) إذا خشيتَ العينَ على نفسِكَ أو مالِك أو بيتِك كما في سورة الكهف، “وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا” وكان مالكٌ رحمه الله يقولها إذا دخلَ بيته.
ومن فوائِدِها أنها نِعْمَ العونُ على حملِ الهمومِ والأعباءِ الثقيلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : “وَليكن هِجِّيْرَاهُ لَا حولَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهَا بهَا تُحملُ الأثقال، وتُكابدُ الْأَهْوَال، ويُنالُ رفيعُ الْأَحْوَال” يعني -ولتكن عادةُ المسلم قولَ لاحولَ ولا قوة إلا بالله- وقال مَكْحُولٌ التابعيُّ الجليل :”فَمَنْ قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ مَنْجَى مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ: كَشَفَ عَنْهُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الضُّرِّ أَدْنَاهُنَّ الفَقْرُ”.
اللهم لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وانطقوها النطق الصحيح فمن الناس من ينطقها بلفظ سيء فيقول (لا حول الله) وكأنّه ينفي أن لله حولاً والعياذ بالله، -وإن كان هو لا يريد هذا المعنى- لكنه من تلاعب الشيطان به.
واحذروا من منهج فاسد يُربّى عليه الناس اليوم وهي التربيةُ على الثقةِ بالنفس والاعتداد بمواهبها وقدراتها دون استحضار للتوكل على الله والاعتماد عليه، مع أن النبي ﷺ كان يقول في دعائه “ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين” كما أن هذه الكلمة “لا حول ولا قوة إلا بالله” فيها -كما سبق- البراءةُ من الحولِ والقوةِ إلا بالله. فالثقةُ وهي التوكلُ والاعتمادُ لا تكون إلا على الله وبالله، وأما ما لديك من القدرات الحسية والمعنوية فهي أسبابٌ أيّدَكَ اللهُ بها، والأسبابُ لا تعملُ ولا تنفعُ إلا إذا أراد اللهُ تعالى، فعلِّق قلبكَ بالله، وفَوّضِ الأمرَ إليه، “وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا”
اللهم إنا نسألك صدق التوكل عليك، وحسن الإنابة إليك، اللهم أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك ومتعه بالصحة والعافية يا رب العالمين، اللهم وفق ولي عهده الأمير محمد بن سلمان واجعل عمله في رضاك وانصر به دينك وسنة نبيك ﷺ،
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.