العنوان : قصة قوم لوط عليه السلام، ووعيدُ من عمِل عملَهم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد فاتقوا الله تعالى رب الأرباب، وتدبروا آيات الكتاب، وتذكروا ما فيه من الثواب والعقاب (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ، وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)
عباد الله:
إن من أعظم مواعظ القرآن ما قصه الله من أخبار الرسل والأمم، وبيان عاقبة من أطاعهم وعاقبة من عصاهم، حتى يعلم كل أحد أنه إن أطاع الله ورسوله ﷺ فاز فوزاً عظيماً، وإن عصى الله ورسوله ﷺ خسر خسراناً مبيناً.
ومن أخبار الأمم التي قصها الله تعالى قصةُ قومِ لوط، وكانوا قوماً مشركين، ومع شركهم كانوا من أسوء الناس سيرة، وأخبثِهم علانيةً وسريرة، فكانوا قُطّاعَ طرق ينبهون الغادِيَ والرائح، ويجاهرون في نواديهم بالقبائح، وسبقوا البشريةَ كلَّها إلى الفاحشة المنكرة، فكانوا يأتون الرجال شهوةً مِن دون النساءِ والعياذُ بالله.
فأرسل الله إليهم لوطاً عليه السلام رحمةً بهم، وإعذاراً إليهم، يدعوهم إلى التوحيد ليطهرهم من الشرك، ويدعوهم إلى الإصلاح ليطهرهم من الإفساد في الأرض، ويدعوهم إلى عفة الفروج والاكتفاء بالحلال عن الحرام، ليطهرهم من الفاحشة التي لا يقرها دينٌ ولا عَقْل، ولا فِطرةٌ ولا مُروءة.
لكنّهم أَصرّوا على ما هم عليه، فأرسل الله تعالى ملائكةً في صورةِ شبابٍ حِسانِ الوجوه، فنزلوا ضيوفاً على لوط وهو لا يعرف حقيقتهم، فتسامعَ بهم قومه، فحاولوا الوصول إليهم ليفعلوا بهم ما تعوّدوه من الفاحشة القبيحة، فنزل بلوطٍ هَمٌّ عظيم، وكَربٌ شديدٌ، فقال متمنّياً : “لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ” أي أنه لا طاقة له بهم، ولا أنصارَ له من بيته ولا من غيرهم، فلم تكن له ذريةٌ إلا بنات -وهكذا كان الأنبياءُ آباءَ بناتٍ- كما قال أحمدُ رحمه الله.
فلما رأتِ الملائكة ُكَرْبَ لوطٍ وخوفَه مِن وصولِ قومهِ إليهم أفصحوا له بالحقيقة: “قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ” أي لسنا بشراً بل ملائكة، فلن يصلوا إليك ولا إلينا بسوء فَطِبْ نفساً وقَرَّ عيناً، ثم صفَقَ جبريلُ بطَرَفِ جناحهِ وجوهَ القائمينَ على الباب فذهبتْ أبصارُهم، كما قال تعالى (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ) [القمر: 37]
ثم أمرت الملائكة لوطاً أن يخرج هو وابنتاه بالليل، وأن يمشيَ وراءَهما، وأن يتّجِهَ نحوَ بلادِ الشام، وأن لا يتلفتَ أحدٌ منهم إلى الوراءِ عندَ نزولِ العذابِ بقومِهم، وهذا معنى قوله تعالى (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [الحجر: 65].
فأرسل الله عند الصباح على قومِ لوطٍ حجارةً من سجِّيلٍ منضود، وقلَعَ ديارهم فرُفِعتْ إلى السماء ثم قُلِبتْ عليهم بمن فيها، حتى امرأةِ لوط فإنها كانت كافرةً على دينِ قومِها، فهلكوا جميعاً بعدل الله وقدرته. ونجّى الله لوطاً وابنتيهِ بفضله ورحمته.
وجعل اللهُ قومَ لوطٍ عظةً وعبرةً للأمم من بعدهم، فمن عمل مثل عملهم فإنّ عذاب الله منه قريب. (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 82، 83] نعوذ بالله من غضبه وانتقامه، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واعلموا أن اللواط من كبائر الذنوب، ومن أعظم الفواحش، وقد عذَّبَ اللهُ أهلهُ عذاباً ما ذَكر أَنّهُ عَذَّبَ أُمَّةً بمثله، والعياذُ بالله.
وقد حذّرَ النبي ﷺ أمته من هذه الفاحشة فقال ﷺ : ” إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ” رواه الترمذي، وقال ﷺ: “لَعَنَ اللهُ من عمِلَ عَمَلَ قومِ لُوطٍ، لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قوْمِ لوطٍ، لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ” رواه أحمد. وقال ﷺ : «لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكرا أو امرأة في دبرها» رواه الترمذي ، و جاء عنه ﷺ الأمرُ بقتلِ اللوطي ففي الحديث “مَن وجَدتمُوهُ يعملُ عملَ قومِ لوطٍ، فاقتُلُوا الفَاعِلَ والمفعولَ بهِ” أي فليقتلهُ ولاةُ الأمور.
وهذا التحذيرُ الشديدُ من اللواط، وترتيبُ العقوباتِ الدنيوية والأخرويةِ عليه دليلٌ على قُبحِ هذه الفاحشة لما تفضي إليه من فسادِ الدين، والأخلاقِ، والفِطرةِ، والصِّحة، واختلالِ القِيَم، وانهدامِ الأُسر، وتَفكّكِ المجتمع، وغيرِ ذلك من المفاسد.
عباد الله:
إن الوقوع في هذه الفاحشة له مقدمات تسبقه: منها ضعفُ الإيمان، وإطلاقُ النظر، والتساهلُ بكشفِ العورات، وإهمالُ التربية، وخَلوةُ الكبيرِ غيرِ المأمونِ بالصغير، وغيرُ ذلكَ من الأسباب، فالواجبُ الحذر، والحرصُ على أسبابِ السلامة، لا سيما في زمن تحاول فيه كثير من البلاد أن تفرض على الناس تقبل الشذوذ، وتفرضَ العقوبةَ على مَن يُحذِّرُ منه، حفظ الله علينا ديننا، وأخلاقَنا، وقيَمَنا، وذرياتِنا، فاللهُ خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.
معاشر المؤمنين: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
جزاك الله خيرا وبارك فيك يا شيخنا الفاضل الله يرفع قدرك ويعلي شأنك على هذه الخطبة الطيبة المباركة .
جزاك الله خيرا شيخنا الكريم