العنوان : خطبة مناسبة ليوم عاشوراء في يوم جمعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
عباد الله:
إن الله تعالى قصّ علينا قصة موسى عليه السلامُ وفرعون في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، بيّنَ سبحانه فيها أنه اصطفى موسى عليه السلام فأرسله إلى فرعون الذي ادعى بأنه لا إله غيره، وأنه الرب الأعلى، فدعاه إلى عبادةِ الله وحده، وخَلْعِ عبادة ما سواه، وأراه الآياتِ الكبرى التي أيده الله بها، فألقى العصى فإذا هي ثعبان مبين، وأخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاءُ للناظرين، ولكنّ فرعون عاند وكابر، وجحد الحق وهو كالشمس وضوحاً، فخرج موسى من مصر ببني إسرائيلَ في الليل، متخفين من فرعونَ وجنودِه، بعد ما سامهم فرعونُ سوءَ العذاب، يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءَهم ويُسخّر رجالهم في الأعمال، مع الظلم والذل والهوان.
فشعرَ بهم فرعونُ فاتّبعهم بجنوده، فوصل جيشُ فرعونَ إلى مكانٍ قريبٍ من موسى وبني إسرائيل، حتى صار بعضُهم يرى بعضاً، وبلغَ الكرْبُ بقوم موسى مبلغاً عظيماً، ففرعونُ وراءَهم، إن أدركهم قتَلهم، والبحرُ أمامهم، إن خاضوه أغرقَهم، فلجأَ موسى إلى ربه فأوحى إليه أن اضرب بعصاك البحر فانفلق البحر بإذن الله، وصار فيه اثنا عشرَ طريقاً ، كلُّها يابسةٌ صالحةٌ للسير عليها، ووقفَ الماءُ بين كلِّ طريقينِ منها كالجبلِ العظيم _والله على كل شيء قدير_
فانطلقوا مسرعين، وأتبعهم فرعون وجنوده فدخلوا في تلك الطرق، حتى إذا خرج موسى وقومُه كلُّهم، ووصلوا الى الشاطئ آمنين سالمين، واكتمل جنود فرعون وهو معهم في تلك الطرق التي انشقت بأمر الله، أمرها الله أن تنطبق عليهم فأغرقتهم أجمعين، وجعلتهم عظة وعبرة للعالمين.
{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)} [الشعراء: 61 – 68]
وكان هذا الحدث العظيم في مثل هذا اليوم يومِ عاشوراء فصامه موسى شكراً لله تعالى، وصامه النبي ﷺ وحث أمته على صيامه فنحن نصومه شكراً لله تعالى على نجاة موسى ومن معه من المؤمنين، وهلاك فرعون ومن معه من الظالمين، وتأسياً بنبيناً ﷺ سيد الأولين والآخرين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن المشروع في يوم عاشوراء هو صومه فقط والأفضل أن يصوم قبله يوماً أو بعده يوماً لما صح عن النبي ﷺ.
وإذا صادف عاشوراءُ يومَ الجمعة كهذا اليوم فلا بأس بصيامه وحدَه لأن إفراد الجمعة بالصوم حصل لكون عاشوراءَ عبادةً مستقلة لها سببٌ خاص حصلُ الصومُ لأجله لا أجلِ الجمعة.
فهنيئاً لمن صامه إيماناً واحتساباً فقد وعد النبي ﷺ من صامه بتكفير سيئات سنة أي السنة الماضية.
وأما يفعله الروافض من المآتم والنياحة وضرب الأجساد وشد الرحال إلى القبور، فكل هذا من البدع المحدثة، والضلالات المنكرة.
عباد الله: احذروا من متابعة الكلمات والخطب التي يلقونها في هذه المناسبة فإنها تشتمل على كثير من المنكرات الشركية والبدعية وعلى كثير من الكذب والافتراء على أصحاب النبي ﷺ ، والمستمع لهم وهو جاهل لا تمييز عنده قد يتأثر بها فيزيغ قلبه، لذلك حذّر النبي ﷺ وأصحابه والسلف الصالح من الاستماع إلى أهل الأهواء، عصمني الله وإياكم من الزلل والزيغ والضلال.
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفا: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.