العنوان : الحث على محاسبة النفس
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أما بعد: فكلنا يعلم علم اليقين، أنه مغادر هذه الدنيا ولا بد، وأن الموت ملاقيه لا محالة، وأن له أجلاً لن يتأخر عنه لحظة، ويعلم المؤمن علم اليقين أنه بعد الموت ينتقل إلى دار الجزاء، حيث يحاسب على كل ما قدمه في هذه الدنيا من خير وشر.
ومع علم كل مؤمن بهذه الحقيقة إلا أن الحياة الدنيا تغر كثيراً من الناس، فيغفلون عن الآخرة، ويؤثرون العاجلة، ويسرفون على أنفسهم بترك الواجبات وارتكاب المحرمات، والمنافسة في الشهوات، ثم تفجؤهم الآجال على معاص لم يتوبوا إلى الله منها، وحقوقٍ لم يردوها لأهلها، وأعمال صالحة فرّطوا فيها، فعند ذلك تستولي عليهم الحسرة والندامة ويتمنى كل مفرّط لو يتأخر الأجل به لحظة ليتصدق وليعمل عملاً صالحاً ولكن لا يجاب إلى طلبه.
لذلك يا عباد الله: كان من أعظم أسباب سعادة العبد أن يحاسبَ نفسه بين حِين وآخَر، لا سيما في الأحوال التي هي محل تفكر واتعاظ، وها نحن على أبواب انتهاءِ عام هجري كامل، مرَّ من العمر وكأنّه لحظة! وهكذا العمرُ كله سينتهي وكأنّه كان لحظة! فلنسألْ أنفسنَا ماذا فعلنا فيما مضى من أعمارِنا؟ وماذا أعدَدنا لآخِرَتِنا؟
حاسبْ نفسك يا عبد الله : واعرض عقيدتَك وعمَلك وخُلُقَك على القرآن الكريم وعلى هدي سيد المرسلين ثم انظر : هل إيمانك متفق مع ما أمرك الله أن تؤمن به؟
أمرك بالتوحيد فهل أنت على التوحيد الخالص؟، أم تدعو غير الله؟ وتستغيث بغير الله؟ وتذبح وتنذر لغيره الله؟ أمرك الله باتباع محمد ﷺ ؟ فهل أنت متبع له أم مبتدع في دينه ما لم يشرع؟، أمرك أن تقتديَ بالصحابة رضي الله عنهم فهل وافقتهم أم خالفت سبيلهم؟
أمرك أن تقيمَ الصلاة وتحافظَ عليها فهل أقمتَها وحافظتَ عليها أم ضيعتَها؟، أمرك أن تؤديَ الزكاة وتصومَ رمضان وتحجَّ البيت. فهل قمتَ بذلكَ أم ضيعت وفرطت؟ وسوّفتَ وأهملت؟.
أمرك ببرِ والدَيك وصلةِ رحمِك والإحسانِ إلى جارك، وعِشْرةِ أهلِكَ بالمعروف، وإحسانِ تربية أبنائكَ وبناتك. فهل وصلتَ ما أمركَ اللهُ بوصلهِ أم قطعَت؟.
أمركَ بأكلِ الحلال واجتنابِ الحرام. فهل استغنيتَ بالحلالِ عن الحرام؟ أم امتدّتْ يداك إلى ما حرّمَ اللهُ عليك فتعاملتَ بالربا وأكلتَ الرشوة وخُنتَ الأمانة وغَشَشْتَ في بيعك؟
أمرَ اللهُ بغضِّ البصر وحفظِ الفرج وصيانةِ الأسماع وكفِّ اللسان، فليسألْ كل منا نفسه عن سمعه وبصره وفرجه ولسانه ماذا فعل فيها؟
أمرَ اللهُ المرأةَ بالحجاب والقرارِ في البيوت ونهاها عن التبرجِ والسُّفورِ والخضوعِ بالقول. فلتسألْ كلُّ مسلمةٍ نفسَها أين هيَ من هذا الأمرِ الربانيِّ الكريم؟ وماذا أعدّتْ للسؤالِ عنه؟
أمرك ربُّكَ بطاعةِ وُلاةِ أمرِك في المعروف، في اليُسر والعُسر والمنشطِ والمَكر وعلى أَثرَة عليك أُعطيتَ حقَّكَ أم لم تُعط، فهل سمعتَ وأطعتَ ولزمتَ الجماعة؟ أم كنتَ ممن إذا أُعطيَ رضي وإن لم يُعط سَخِط؟
ليعرِضْ كلٌّ منا نفسَهُ على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وليقارنْ عملَهُ وحالَهُ بما أمرنا اللهُ ورسولهُ ﷺ أن نكون عليه، فمَن وجدَ نفسَهُ على خير فليحمد الله وليسأل ربه الثبات والمزيد، ومن وجد نفسه على غير ذلك فليستعجلْ إصلاحَ نفسهِ قبل فواتِ الأوان. أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وحاسبوا أنفسكم امتثالاً لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) أي اتقوا عذابه بامتثال أمره واجتناب نهيه، وحاسبوا أنفسكم وانظروا ما فيها من الزلل فأصلحوه، ومن النقص فكملوه، فإن القيامة والساعة والحساب كل ذلك قريب منكم كقرب الغد من اليوم، وما أحسنَ ما قال الفاروقُ رضي الله عنه محرّضاً على محاسبة الأنفس: “حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنوا، فَإِنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ: “يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ”، اللهم يمّن كتابَنا ويسّرْ حسابَنا وثقّلْ موازينَنا واغفرْ لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفا: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.