العنوان : فضل الحج وبعض آداب الحاج
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الحجَّ هو الركنُ الخامسُ من أركان ِالإسلام فرضه اللهُ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة في العُمرِ مرّةً واحدة فقال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) وقال ﷺ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» ولا يَحِلُّ لمن استطاعَ حجَّ الفريضةِ أن يُؤجِّلَهُ من غيرِ عذرٍ شَرعي قال ﷺ : «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ – يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ – فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رواه أحمد.
وقال عمر الفاروق رضي الله عنه مبيّناً خطرَ التساهلِ في تركِ الحجِّ الواجبِ مع القُدرةِ عليه: «مَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا» رواه البيهقي.
عبادَ الله:
إن الله تعالى بمنه وكرمه رتّبَ على الحجِّ من الأجورِ والمنافع الدينيةِ والدنيوية ما لا يحصيهِ إلا هوَ سبحانه، فقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) فمن تلك المنافع مغفرةُ ذنوبِهم، قال ﷺ «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» متفق عليه.
ومنها الفوزُ بالجنّة، قال ﷺ «الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» متفق عليه.
ومنها التعارفُ بين المسلمين، والتعاونُ بينهم على البِرِّ والتقوى، ومنها المنافع الدنيويةُ كالتجارة. قال تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) يعني التجارة في الحج.
معاشر المؤمنين:
ممّا يتأكدُ في حقِّ الحاجِّ: أن يتقيَ اللهَ في كُلِّ شؤونه، وأن يتحلّى بمحاسنِ الأخلاق، وأن يجتنبَ مساوِئَها، قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
ومن الأخلاقِ التي تَعْظُمُ الحاجةُ إليها في رحلةِ الحجِّ: الصبُر والحِلْم، والعَفْوُ والصَّفْح، وكفُّ الأذى، وبذلُ المعروف، وطلاقةُ الوجه، وعِفّةُ اللسان، والرِّفْقُ والرحمة، والصدقُ والأمانة.
ومن الأخلاقِ السامية الضرورية: الالتزامُ بكافةِ الأنظمةِ الموضوعةِ لأَمنِ الحُجاجِ وسلامتِهم، وراحتِهم ورفاهيتِهم، كالالتزامِ بعدمِ الحجِّ بلا تصريح، والالتزامِ بأوقات التفويج، والالتزامِ بعدم الافتراش على الأرصفة والطرقات. إلى غير ذلك من الأنظمة التي ما وُضعت إلا لسلامةِ الحجيجِ ومصلحتِهم. فإنّ تعاونَ الجميعِ بالتزامِها هو من أهمِّ أسبابِ نجاحِ موسمِ الحجِّ وخُلُوِّهِ مِمَّا يُعكِّرُ صَفْوَه.
ومَن التزمَ بها طاعةً لوليِّ الأمر فليُبْشرْ بالأجرِ والثواب فإنَّ طاعةَ وليِّ الأمرِ في غيرِ معصيةِ الله طاعةٌ للهِ ولرسولهِ ﷺ كما ثبتَ في الحديث، قال ﷺ “َمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي”. متفق عليه.
أقولُ هذا القولَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانِه، صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد:
فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واشكروه أَنْ بلّغكمْ عشرَ ذي الحجة التي هيَ أفضلُ أيامِ العام، ومَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ العمل فيهن. كما صحّ عن رسول الله ﷺ، فأكثروا فيما بقيَ من هذه العشرِ مِن التكبيرِ والتحميدِ والتهليلِ وسائرِ الطاعات.
ولْيَحرصْ غيرُ الحاجِّ على صيامِ يومِ عرفة فقد سُئل النبيُّ ﷺ عن ثوابِ صومهِ فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» رواه مسلم.
إخوةَ الإيمان:
إنَّ هذه الدولةَ السعوديةَ المباركةَ تبذلُ جهوداً عظيمةً في خدمةِ الحرمينِ الشريفين، ورعايةِ الحجاجِ والمعتمرين، فاعرفوا لها فضْلَها، وادعوا بالخيرِ لولاةِ أَمرِها، فمَنْ لا يَشكرُ الناسَ لا يشكرُ اللهَ كما قال نبيُّنا ﷺ.
اللهم احفظ خادمَ الحرمينِ الشريفين، ووليَّ عهدهِ الأمين، اللهم وفقهم لما فيه رضاك، واجعل عملهم موافقاً لِهُداك، واجزِهِم عن حُجاجِ بيتك، وزوّارِ مسجدِ نبيك ﷺ خيرَ الجزاء، اللهم احفظِ الحجاجَ والمعتمرين، ويسِّـرْ لهم أداءَ مناسكِهِم آمنين، وتقبّل منا ومنهم يا ربَّ العالمين، اللهم اجعلْ هذا البلدَ آمناً مطمئناً وسائرَ بلادِ المسلمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرةِ حسنة، وقنا عذابِ النار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولِك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.