العنوان : الحث على اغتنام الحياة بالعمل الصالح
الحمد لله الذي خَلَقَنا لعبادتِه، وأَمرَنا بطاعته، ونهانا عن مخالفتِه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، يُسعِدُ أهلَ طاعتِه، ويَشقى أهلُ معصيته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نصح أُمّتَهُ بالمسارعةِ إلى صالحِ الأعمال، وحذَّرها من التفريطِ والتسويفِ والإهمال، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلّمَ تسليماً، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى واعلموا أنَّه خلقَ الثقلينِ الإنسَ والجنَّ لحكمةٍ بالغة، هذه الحكمة: هي ما صرّحَ به في قولهِ جلَّ وعلا : “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” ولأَجلِ هذه الغايةِ العظيمة- وهي عبادتُه وحدَه – ركّبَ لنا العقول، وأنشأَ لنا السمعَ والأبصار، وسخّرَ لنا ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعاً منه.
وجعلَ اللهُ البقاءَ في الدنيا قليلاً، لأَنّها دارُ اختبارٍ وامتحان، فَمُكوثُنَا فيها كَمُكُوْثِ الطلابِ في قاعاتِ الامتحان، يَدخلونَها قليلاً ثم يغادرونَها عن قريب.
ومهما عُمِّرَ العبدُ في الدنيا فهو بقاءٌ مؤقّتٌ سريعُ الانقضاء، قريبُ الانتهاء، حتى إنّ أهلَ الآخرةِ يرونَ أعمارَهم في الدنيا لم تكن إلا يوماً أو بعضَ يوم، وهم قد عاشوا فيها مئةَ سنة وتسعينَ وثمانينَ وأكثرَ وأقلَّ.
فالسعيدُ من اغتنم هذه الحياة القصيرة بالإيمانِ الصحيح، والعملِ الصالح، فالإيمان الصحيحُ هو عقيدةُ السلفِ الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والعملُ الصالح هو الخالصُ لله، لا رياءَ فيه ولا سُمعة ولا إرادةَ دنيا، الموافقُ لِهَدْيِ محمدٍ ﷺ بلا إحداث ِ شيء في الدين لم يشرعه الله ولا رسوله ﷺ ولم يكن عليه سلفُ الأمة.
فمن آمن وعمل صالحاً كانت عاقبةُ عمَلهِ على قِصَرِ الدنيا نعيماً دائماً لا ينفد، ولذةً لا تنقطع، وسعادةً لا تَبيد. فيالَها مِن تجارةٍ ما أعظمَ رِبْحَها.
والشقيُّ الخاسرُ مَن فرّطَ في جَنبِ الله في هذه الدنيا القصيرةِ الفانية، فاستحقَّ عذاباً وبيلاً، وشقاءً طويلاً. فما أعظمَ ندامَتَه، وما أكبرَ حَسْرَتَه، وما أشدَّ غَبْنَه، وما أطولَ حُزْنَه.
عبادَ الله:
اغتنموا فُرصةَ الحياةِ التي أنتم فيها اليوم، ولا تَغُرَّنَّكُم الحياةُ الدنيا ولا يَغُرَّنَّكم باللهِ الغَرور.
لتكنْ أنفاسُكمْ مخلوطةً بذكرِ الله، وأعمارُكم مَعْمورةً بطاعةِ الله، وحاسبوا أنفسَكم على الدقائقِ واللحَظات، حتى لا تذهبَ في غير ِالأعمالِ الصالحات.
اللهم يَسِّرْنا لليسرى، وجنِّبْنا العُسْرى واغفرْ لنا في الآخرةِ والأولى. أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كلِّ ذنب فاستغفروه إنّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد للهِ عالمِ الغيبِ والشهادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلمُ ما الخلقُ عاملون، وما هم إليهِ صائرون، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، والناصحُ لأمتهِ النُّصحَ المبين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، واعلموا أنه أخبر بأن المفرّطَ عند احتضاره يتمنى تأخيرَ أَجلهِ ولو ثانية، وأنّ الكافرَ بعدَ موتهِ يتمنى الرجوعَ للدنيا مرةً ثانية.
يا تُرى لماذا يريدون المُهْلَةُ والتأخير؟ هل يريدون التنافسَ على الدنيا من نساءٍ وبَنين، ومناصبَ ومراكب، وعقاراتٍ وتجارات، ومزارعَ وجنّات، ونَومٍ ولَهْو؟
لا والله، بل طلبوا العودةَ للدنيا ليعملوا صالحاً. قال تعالى : “حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ” ، وقال تعالى ” وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ”
عباد الله: كل هؤلاء يتمنونَ شيئاً واحداً، لا يتمنونَ غيرَه، يتمنون ما أنتمْ فيهِ الآن، يتمنونَ أنّهم الآن على ظهرِ الأرض، وأرواحُهم في أجسادِهم، حتى يسبّحوا الله، ويحمدوا الله، ويكبّروا الله، ويستغفروا الله، ويقولوا لا إلهَ إلا الله، فلتسبيحةٌ واحدة هيَ عندَهم اليومَ أغلى من ملايينِ الدنيا وكنوزِها..
فيا إخوة الإيمان:
ليستغلَّ كلٌّ منا حياتَه بصالحِ العملِ قبلَ معادِه، ولنمتثلْ أمرَ اللهِ إذ يقولُ لعبادِه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ” جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه إنه سميع الدعاء.
معاشر المؤمنين:
صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.