العنوان : توجيهات حول الصدقات في رمضان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما،
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
أما بعد:
فإن بذل الصدقات من أعظم القربات، يضاعفُ الله بها الحسنات، ويكفّرُ بها السيئات، ويُدخِلُ بها الجنّات، ويقي بها العذاب، ويُظِلُّ بها صاحبَها يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، ولا يَنقُصُ بها المال بل تَزيد خيرَه وبركتَه، وهي إلى ذلك مَظهرٌ من مظاهرِ التراحم والمواساةِ بين أهلِ الإسلام، وسببٌ وثيقٌ من أسبابِ التآلف والتَّوادِّ بين أفرادِ المجتمعِ أغنيائهِ وفقرائِه.
قال تعالى في فضل الصدقة : “مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -أي في طاعته- كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” [البقرة: 261] وقال تعالى “وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” [سبأ: 39] وقال ﷺ “إن الصدقةَ لتطفئ عن أهلها حرَّ القبورِ، وإنّما يَستظِلُّ المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظل صدقته” أخرجه الطبراني وصححه الألباني. وقال ﷺ : “الصدقة تطفئُ الخطيئةَ كما تطفئُ الماءُ النارَ”. رواه الترمذي وصححه، وقال ﷺ : “مَا نَقَصَتْ صَدقَةٌ مِنْ مالٍ” رواه مسلم، وقال ﷺ “اتَّقوا النارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فبِكَلِمَةٍ طيِّبَةٍ”. متفق عليه، وقال ﷺ “ما من يوم يُصبحُ العبادُ فيه إلاّ ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً”. متفق عليه.
عباد الله:
أنتم مقبلونَ على شهرِ رمضان، شهرِ الطاعة والبِرِّ والإحسان، فاجتهدوا فيه في الأعمالِ الصالحات، واجتهدوا في بذلِ المعروفِ والإحسانِ والصدقات، وتَوَخَّوا بصدقاتِكم الفقراءَ والمساكينَ، وأكثرَ الناسِ حاجة، وأَشَدَّهم فاقة، فإنّهم الأَهمُّ في باب الزكواتِ والصدقات، ولذلك بدأ اللهُ بالفقراءِ قبلَ المساكين لأنّهم أشدُّ حاجةً منهم.
وقد يكون المستحقُّ للزكاةِ والأَولى بالصدقةِ متعفِّفاً لا يُنتبه له، ولا يُعرَفُ حاله إلا بالبحثِ والسؤال، فاحرصوا على الفقراءِ المتعففين، قال تعالى “لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” [البقرة: 273]
ومِن أولى الناسِ بصدقاتِكم القابعونَ في السجونِ بسببِ الديون، فَهُم من أهل الزكاةِ المفروضة فضلاً عن الصدقةِ التطوعية، وهم الغارمونَ المذكورونَ في أصنافِ الزكاةِ الثمانية، فإنَّ السعيَ في قضاءِ ديونِهم، وإخراجِهم من سجونِهم، ليس تفريجاً عنهم فقط، بل عنهم وعن كُلِّ متضررٍ بحبسهم من آبائهم وأمهاتهم، وأزواجهم وذرياتِهم. وفي الحديثِ الصحيح قال ﷺ «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” رواه مسلم.
وما أيسر الإسهام في تسديد الديون عنهم عبر منصة “فُرِجَتْ” التي أنشأتها الدولة وفقها الله لهذا الغرض السامي النبيل، فاغتنموا الفرصة، ونفسوا كُرَبَ المكروبين، ويَسِّروا عُسْرَ المعْسِرين.
عباد الله:
إن صدقةَ العلانية إذا حسُنَتْ فيها النيةُ عَمَلٌ صالحٌ جَليل، ولكنَّ صدقةَ السِّرِ أعظمُ أَجْراً، وأكبرُ ثواباً، قال تعالى: “إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” [البقرة: 271] ، وفي حديثِ السَّبعةِ الذين يظلهمُ اللهُ في ظِلِّهِ يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه قال ﷺ “ورجلٌ تصدّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما تنفقُ يمينُه” متفق عليه، واللفظ للبخاري. فاحرِصوا عبادَ الله على صدقاتِ السر، فإنَّها أقربُ للإخلاص وأعظم للأَجر، وأحفظُ لكرامةِ الفقير ِالمتعفف.
أقولُ هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته.
إخوة الإيمان: إنَّ مِن الأعمالِ الصالحة التي رغّبَ فيها نبيُّنا ﷺ تفطيرَ الصائمين، قال ﷺ “من فطّر صائماً فله مثل أجره” رواه الترمذي وصححه، فهو عملٌ صالحٌ جليلٌ ولا شك، ولكنّ الملاحظَ مِن زمنٍ ليس بالقصير ظاهرةُ الإسرافِ والتبذيرِ والمبالغةِ في كثيرٍ مِن سُفَرِِ تفطيرِ الصائمين في المساجدِ، كما أنَّ كثيراً ممن يحضُرها ليسوا من الفقراءِ ولا المساكين، ولا مِريةَ أَنَّ ظاهرَ الحديثِ يَعمُّ تفطيرَ الغنيِّ والفقير، ولكنّ الفقراء هم الأولى بهذه الصدقات، ولذلك نجد في عباراتِ بعضِ أهلِ العلم التأكيدَ على تفطيرِ الفقراءِ، قال الإمامُ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ رحمه الله:”وإعانةُ الفقراءِ بإطعامِهم في شهرِ رمضان، هو من سُنَنِ الإسلام، فقد قال النبي ﷺ مَن فطّرَ صائماً فله مثل أجره” اهـ ، وقالت اللجنةُ الدائمة : ” والمراد بالصائمِ هنا: أيُّ صائمٍ من المسلمين، لا سيما من يَستحقُّ الصدقةَ عليه بالفطرِ؛ كالفقيرِ والمسكينِ وابن السبيل” اهـ
وأَجرُ تفطيرِ الصائمِ يحصلُ باليسيرِ والحمدُ لله، فالحِرْصَ الحِرْصَ على توخِّي المحتاجينَ بتفطيرِكم، وعلى اجتنابِ الإسرافِ والتبذيرِ في وجباتِ التفطير، حتى لا يَذهبَ كثيرٌ منها إلى المزابل أكرمَكم الله.
إخوةَ الإيمان: لقد أنشأتْ الدولةُ وفّقها الله وأيّدها منصات ٍخاصّةً للتبرعِ والصدقاتِ للداخلِ والخارج، فلا تتبرعوا إلا عَن طريِقِها، طاعةً لوليِّ الأمر، وحفظاً لأموالكم، وضماناً لوصولِ الصدقةِ لأهلِها، وقطعاً للطريق على ضعفاءِ النفوس الذين قدْ يستغلّون أموالَ التبرعاتِ في غير ما أُنْفِقتْ له.
بلّغني اللهُ وإياكم شهرَ رمضان، ورزقنا صيامَهُ وقيامَهُ إيماناً واحتساباً إنه سميع الدعاء. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. وانصر عبادَك الموحدين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.