العنوان : خطر الطلاق وشيء من أحكامه وآدابه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
أما بعد: إخوة الإيمان:
فإنَّ الطلاقَ كلمةٌ تهدمُ الأُسرة، وتفرّقُ بين الزوجين، وتُشتّتُ الأبناء، وتقطعُ الأرحام، وتُلحِقُ بالمجتمعِ المسلمِ أضراراً كبيرةً في دينهِ ودنياه، لذلك كان الطلاقُ بغيضاً في شريعةِ الإسلام، حبيباً إلى الشيطان، حتى إنَّ إبليسَ إذا جاءه أحدُ شياطينِهِ يُبشرُّهُ أنه فرَّقَ بينَ زوجين: ضمّهُ إلى صدرهِ وعانقَه، وأجلسهُ بجواره، حفاوةً به، وفرحاً بصنيعِه، لعلمهِ بمفاسدِ الطلاقِ وأضرارِه، والشيطانُ عدوٌّ لنا يسرّهُ ما يضرُّنا، ويحزنُه ما ينفعُنا.
فعلى الزوجينِ المحافظةَ على بيتِ الزوجيّة، والحرصَ التامَّ على استمرارِ هذه العلاقةِ المباركة، لما فيها مِن سَكَنِ الروح، وطُمأنينةِ القلب، وسعادةِ النفس، وغضِّ البصر، وحفظِ الفرج، وحصولِ الذرية، والتعاونِ على البر والتقوى، والإسهامِ في نفعِ الأُمّةِ بتكثيرِ عددِها، وتربيةِ أبنائِها وبناتِها على الإيمانِ والعملِ الصالح.
وإذا حصلَ بينَ الزوجينِ ما يُعَكِّرُ صَفْوَ حياتِهما فليعتصما بالصبر، والحِلْم، والأَنَاة، والتُّؤَدَة، والرِّفْق، والعَفْو، والـمُسامحة، وليبتعدا عن العِناد، والكِبْر، وحُبِّ الانتقام، ولا ينبغي أن يحرِصَ كلُّ واحدٍ منهما على استيفاءِ حقِّهِ كاملاً غيرَ منقوص.
وليتأمّلا كتابَ الله، وسُنّةَ نبيّهِ ﷺ، فسيجدانِ فيهما التأكيدَ على المحافظةِ على العلاقةِ الزوجيّة،
قال تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} فَلَمْ يَقُلْ فإنْ كرهتموهنَّ فطلقوهن، بل قال تَعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) ترغيباً في إمساكِ الزوجةِ وعَدَمِ تطليقِها.
وجاءتْ شريعتُنا السَّمْحة، بتضييقِ فُرَصِ الطلاق، ووضعِ التعاليمِ والحُلولِ التي تَكفُلُ تقليلَ وقوعهِ لو أَخذ بها الأزواجُ والزوجات، كالعِشرةِ بالمعروف، وأداءِ الحقوق، ونَظرِ الزوجِ إلى محاسنِ زوجتِه ومنافِعها له في دينهِ ودنياه، ونظرِ الزوجةِ إلى محاسنِ زوجِها ومنافِعه التي نالتَها منه في دينِها ودنياها، وغضِّ كلٍّ منهما طرفَهُ عن القُصور والنَّقصِ والتقصير، مع السعيِ في معالجتهِ بالتي هيَ أحسن. قال ﷺ : “لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ” أي لا ينبغي أن يَكرهَ الرجلُ امرأتَه، فإن كان فيها سببٌ واحدٌ للكُره ففيها أسبابٌ حسنةٌ أُخرى تدعو إلى إمساكِها، وإحسانِ صحبَتِها، والرضى بها.
وجاءت الشريعةُ أيضاً بالحثِّ على تأخيِر قرارِ الطلاقِ حتى تَنفَدَ كلُّ الوسائلِ قَبْلَه، من النُّصحِ والهَجْرِ والضَّربِ غيرِ الـمُـبَـرِّح، والصُّلحِ من قِبَلِ أهلِ الزوجين. فإذا لم تُجْدِ هذه الحلول، وصارت الحياةُ الزوجيةُ مُجرَّدَ عِبْءٍ لا نفعَ فيه فقدْ جعل اللهُ لهما في الطلاقِ فَرَجا ومَخرجا، فكما أنّ عقدَ النِّكاحِ من محاسنِ الشريعة فإنّ الطلاقَ إذا أُوْقِعَ على ما شَرعهُ الله فهو أيضاً من محاسنِ الشريعة، قال تعالى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}. أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى، وحافظوا على استقرارِ بيوتِكم آمنةً مطمئنة، في حياةٍ سعيدة، وعِيشةٍ رَغيدة، فإننا نعيشُ في وقتٍ يكثرُ فيه الطلاق بسببِ الجهلِ بأحكامِ الشرع وحِكَمه، وضَعفِ الوازعِ الديني، وقُصورِ النَّظرِ في عواقبِ الطلاقِ وآثارهِ على الزوجينِ والذُّرية، وبسببِ الدعواتِ الـمُغْرِضة التي تُزَيِّنُ الطلاق، طلباً للحُريّةِ المزعومة، وبسببِ الـمُخبِّبينَ والـمُخبِّباتِ، الذين يستلذّون بتخريبِ البيوتِ العامرة، وإِشقاءِ الأُسَرِ السعيدة، لما في قلوبهم من الغِلِّ والحَسَدِ والعياذُ بالله. وباتخاذِ الزوجةِ بعضَ المشهوراتِ قُدوةً لها، ترغبُ أن تكونَ مثلَها في الثراءِ والتمتعِ بالأسفار، وكثرةِ الخروجِ من البيت، فتطالبُ زوجَها بما لا يَقدِرُ عليه، أو بما لا يرضاه دِيْناً ومُروءَة. أو بسبب مقارنةِ الزوجِ زوجتَهُ ببعضِ من يراهُنَّ ممن يَظْهَرْنَ كاسياتٍ عاريات، فتؤدي تلك المقارناتُ إلى زُهدِ الزوجِ في زوجته، أو زهدِ الزوجةِ في زوجِها، وينشأُ عنها الكُرهُ والبغضُ حتى يصلَ الحالُ بهم إلى الطلاق، وقد قال ﷺ “انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ” رواه مسلم، فمَن نظرَ إلى من هو دونهُ في الدنيا عرفَ عِظَمَ قَدْرِ نعمةِ اللهِ عليه.
عباد الله:
إذا كان الطلاقُ أمراً لا بُدَّ منه فليحرصِ الزوجُ على أن يكونَ طلاقُهُ سُنِّيَّاً لا بِدْعِيَّاً بأن يطلّقَ امرأتهُ تطليقةً واحدةً ، وهيَ حامل، أو في طُهْرٍ لم يحصل فيهِ جماع، وإذا وقعتِ الفُرقةُ فليفارقها بمعروفٍ وإحسان، ولا ينبغي أن يكونَ بينهما شيءٌ من التلاسُنِ والكلامِ القبيحِ، والسعي في إضرارِ كلٍّ منهما بالآخَر، فهذا شيء لا يليق بمن كان يربطهما بالأمسِ ميثاقٌ غليظ، وفضلٌ عظيم. قال تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قال السُّدِّيُّ: “الْإِحْسَانُ: أَنْ يُوفِيَهَا حَقَّهَا، فَلَا يُؤْذِيهَا، وَلَا يَشْتِمُهَا”.
أدام الله على بيوتِ المسلمينَ سَكَنها وأمْنَها، وحماها ممن يريدُ دمارَها وخرابَها، فبيوتُ الزوجيةِ نعمةٌ كبيرة، وآيةٌ عظيمة: ” {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
اللهم أَعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، وانصرْ عبادَك الموحدين، اللهم وفّقْ إمامَنا ووليَّ عهدهِ لما فيه رضاك، واجعلْ عملهم موافقاً لهُداك، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا سميع الدعاء، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جزاكم الله خيراً
خطبة مختصرة ومفيدة ، نفع الله بكم
جزاكم الله خير شيخنا لقد افدتم واصبتم وفقكم الله لكل خير
نفع الله بكم وجزاكم الله خيرا
اشكل علي هذه العبارة احسن الله اليكم
بِدْعِيَّاً بأن يطلّقَ امرأتهُ تطليقةً واحدةً ، وهيَ حامل،
فهل يصح ان يطلقها وهي حامل ؟
نعم لا يكون الطلاق سنياً إلا إذا طلقها وهي حامل أو طلقها في طهر لم يجامعها فيه، وهذا من حكمة الشرع لتقليل فرص الطلاق، فإن الرجل إذا علم أن امرأته حامل فالغالب أنه لا يطلقها بل يمسكها حرصاً على الولد.