العنوان : من صور الحرب على الأسرة و الأخلاق في وسائل التواصل خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على الأخلاق والقيم، فإنها ذات شأن عظيم، فهي قرينة التوحيد قال ﷺ في أول بعثته لما سئل: بم أرسلك الله؟ فقال: “أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ” رواه مسلم.
والمدرسة الأولى لتعليم الأخلاق والتربية عليها هما الأبوان، فمتى كان البيت بيتاً معموراً بالدين القويم، والخلق المستقيم، تربط أهله أواصر ُالمحبةِ والمودة، ويسود بينهم التراحمُ والتفاهم، نشأتِ الذريةُ نِشأة طيبةً صالحة بإذنِ الله.
ومتى تنافرتِ الأُسرة، وحلَّ بين أفرادِها الكُره والتباغُض، وعَدَمُ المبالاة، ونُزِعَ من كبارِها رحمةُ صغارِها، ونُزِعَ من صغارِها احترامُ كبارِها، تهدّمت الأسرة، وصار أبناؤُها وبناتُها عُرْضَةً للضلالِ الديني، والانحرافِ الأخلاقي، والتمردِ على أحكامِ الإسلام، والانسلاخِ من مكارمِ الأخلاق.
ومتى وقع ذلك تخلخلتْ وِحدةُ المجتمع، وضعُفتْ قوتُه، وسهُل على المتربصين به إيقادُ نارِ الفتنِ بين أبنائه، حتى يكونَ بعضُهم عدواً لبعض، وبعضُهم حرباً لبعض، فينقضّوا عليه للاستيلاء على موارده وخزائنه، ونهب اقتصادِه وخيراتِه.
عباد الله:
إننا نرى في وسائل التواصلِ الاجتماعي اليومَ حرباً منظّمة، وجهوداً كبيرة، لا تَكَلُّ ولا تَملُّ، ولا ولا تَهدأُ ولا تقف، تستهدفُ الأُسرةَ للقضاءِ عليها، ومن صورِ تلك الحرب:
أولاً: تحريضُ الزوجاتِ على عدمِ طاعةِ الأزواج، وعلى رَفضِ العنايةِ بالبيتِ ورفضِ رعايةِ الزوجِ والأولادِ وخدمة البيتِ بالمعروف.
وتحريضُ الزوجاتِ على طلبِ الطلاقِ والفسخِ والخُلعِ لأسبابٍ مُفتعلة، أو تافهةٍ لا يُقرُّها شرعٌ ولا عَقلٌ ولا مُروءة.
ثانياً: تحريضُ الفتياتِ على العُنوسةِ، واعتبارِ الزواجِ وأْداً للحُريّة، وقَتلاً للحياة، وسِجناً طويلاً، وقَيْداً ثَقيلا، وكذلك تحريضُ الشبابِ على العزوفِ عن الزواجِ عموماً، أو تنفيرُهم من الزواجِ ببناتِ وطنِهم.
ثالثاً: تحريضُ الفتياتِ على التمردِ على الآباءِ والأُمهاتِ والأُسَر، وعلى الفرارِ منها والهروبِ الى الخارج، وتحريضُهنَّ على التعرِّي والانسلاخِ من الحياءِ والعفافِ، والحِشمةِ والحِجاب، وكَسر الحواجزِ بينهن وبين الرجالِ الأجانب عنهنّ.
أيها الإخوة:
إن مِن أخطرِ أساليبِ هذه الحربِ الحربَ بالقُدوة، فقد أبرزتْ هذه التطبيقاتُ ذكوراً وإناثاً تحت مسمّى المشاهيرِ والمشهورات، ليكونوا قدوةً للشبابِ والفتيات، وإذا نظرتَ إلى محتواهُم إذا هو محتوى يدعو الأزواجَ إلى الدياثة، ويدعو الجنسينِ إلى كَسرِ حواجزِ الدينِ والحياءِ والأَخلاق، ويدعو الفتاةَ المسلمةَ إلى خَلْعِ حيائِها وسِترها وإلى عَرْضِ مفاتِنها.
وهم لا يفعلونَ ذلك لـمُجَرّدِ الأرباحِ المادّية التي قد يجنونها من وراءِ هذه التصرفات، ولكنَّ الهدفَ الأكبرَ من ورائِها هو إفسادُ الأخلاقِ وتدميرُها، فقد أخبرنا اللهُ تعالى بما يريدُه منّا متّبعو الشهوات فقال جلّ وعلا: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} أي يريدونَ منكم أَنْ تميلوا عَنْ الْحَقّ، فترتكبوا ما حرّمَ اللهُ عليكم بلا خوفٍ من الله، ولا حياءٍ من الناس.
اللهم إنا نعوذ بك من دعاة الزيغ والضلال واتباع الشهوات، ونسألك العصمة والحفظ والثبات، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله ما استطعتمْ، وابذلوا من الجُهدِ في الإصلاح ما أَطَقْتُم، وعليكم ببذلِ النُّصحِ لأزواجكم وأهليكِم، بَصِّروهم بخطرِ هذه الدعواتِ على الدينِ والأخلاق، وعلى الأُسرةِ والمجتمع، فإنّ الدينَ النصيحة، وأولى الناسِ بنصحِكُم وشفَقَتِكم وحرصِكم هم أَهلُكُمْ.
أيها الإخوة في الله: قد تعجزُ أكثرُ الأُسرِ عن تقييدِ دخولِ أَبنائها وبناتِها لوسائلِ التواصل، ولكنّها لن تَعجِزَ عن التوجيهِ والتوعيةِ والإرشاد.
فاربطوهم بكتابِ الله وسنةِ رسولهِ ﷺ وبالسلفِ الصالحِ من الصحابةِ والصحابياتِ ومن تبِعهم بإحسان.
اغرِسُوا فيهم بِرَّ الوالدَينِ واحترامَ الأسرة، والمحافظةَ على أخلاقِهم، والحرصَ على أَوطانِهم، والسمعَ والطاعةَ لولاةِ أُمورِهم، حتى يكونوا صالحينَ في أَنفسِهم، محافظينَ على أُسَرِهِمْ وأوطانِهم؛ فَتَصْلُحَ بذلك دُنياهُم وأُخْرَاهُمْ.
اللهم أصلح لنا ديننَا الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِنا ، وأَصلِحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأَصلحْ لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللهم آمنّا في دورنا وأصلح أئمتَنا وولاةَ أُمورِنا، اللهم وفق إمامَنا ووليَّ عهدِهِ لما فيه رضاك، اللهم ارزقهم البطانةَ الصالحةَ التي تَدُلُّهمْ على الحقِّ والخيرِ وتعينُهمْ عليه، اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذابَ النار، اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
الله يحفظكم شيخنا جزاك الله خيراً