العنوان : ما يشرع ومالا يشرع في شهر محرم خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ ﷺ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، وعليكم بالجماعة، فإنّ يدَ الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
عباد الله: إنّ شهرَ اللهِ المحرم، أَحَدُ الأشهرِ الحُرُم، وهي أشهرٌ عظيمة، خصّها الله مِن بين الشهور، فقال تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} فَلِعِظَمِ شأنِ الطاعةِ فيها ثواباً، وعِظَمِ شأنِ المعصيةِ فيها عقاباً، حذَّرَ الله فيها عبادَه من معصيتِه، مع حُرمةِ المعاصي في كلِ ّوقت. قال قتادة رحمه الله: “العملُ الصالحُ أعظمُ أجراً في الأشهر الحُرُم، والظلمُ فيهنّ أعظمُ من الظلم فيما سواهنّ، وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيما”.
وجاءت السُّنّةُ النبويةُ مرغِّبَةً في صيام شهر محُرّمٍ كلِّه فقال ﷺ «أفضلُ الصيامِ بعد رمضان شهرُ اللهِ المحرم، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ الليل» أخرجه مسلم. وتأمّلْ يا عبدَ الله كيفَ أضافَ النبيُّ ﷺ هذا الشهرَ إلى اللهِ إضافةَ تعظيمٍ وتفخيمٍ، لِتَعْظُمَ رغبةُ المسلمِ في صيامهِ.
وفي شهرِ محرمٍ يومُ عاشوراء وهو اليومُ الذي نجّى اللهُ فيهِ موسى عليهِ السلامُ وقومَه، وأغرقَ فيه فرعونَ وجنودَه، فصامَهُ موسى شكراً لله، ونحن نصومهُ شكراً للهِ جلّ وعلا، وتأسّياً بنبينا ﷺ؛ إذ كان يصومهُ ويُرغّبُ الناسَ في صومه، ووعدَ من صامهُ بتكفيرِ اللهِ سيئات عامِهِ المنصرِم، فقد سُئل ﷺ عن صيامِ يومِ عاشوراء فقال: «يُكفّرُ السَّنَةَ الماضية» رواه مسلم، وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: «ما رأيتُ النبيَّ ﷺ يتحرَّى صيامَ يومٍ فَضَّلَهُ على غيرهِ إِلا هذا اليوم: يومَ عاشوراء» الحديثَ متفقٌ عليه. والأفضلُ للمسلم أن يصوم يوماً قبله لقوله ﷺ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ، لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» رواه مسلم. بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا اللهَ ربكم، وحاسبوا أنفسَكم، واستعدوا لما أمامكم، فإن يومَ القيامة آتٍ لا محالة، وكلُّ آتٍ قريب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
أخوةَ الإيمان: إنّ شهرَ محرمٍ كغيرهِ من الشهور لا يُخَصُّ بذكرٍ ولا دعاءٍ ولا عبادةٍ لم يَرِدْ بها دليلٌ في كتابٍ ولا سُنّة، ولا يخصص أول يوم منه بطعام معين تفاؤلاً، فشهر محرم كغيرهِ من الشهور، والأيامِ والجُمَع غيرَ أنّه شهرٌ حرام ويُشرعُ صومُه.
إخوة الإيمان: كذلك لا يُشرع في يوم عاشوراء إلا الصومُ فقط، أما ما أحدثه أهل البدع من الباطنية والرافضة من النياحة واللطم وضرب الأجساد بالحديد فإنه من البدع المحدثة التي تؤول إلى تشويهِ الإسلام، والتنفيرِ عنه، وإحياءِ البدع وإماتةِ السنن. واعتزوا أيها الإخوة بالتاريخ الهجري واستعملوه في مكاتباتكم، ولا تهملوه فتنسوه، فإنه التأريخ الذي استعمله عمر والصحابة رضي الله عنهم، واستمر عليه المسلمون إلى يومنا هذا.
إخوة الإيمان: هذا اليومُ في التقويم هو آخرُ يومٍ في العامِ الهجري، وقد اعتادَ بعضُ الناس أن يصومَه ليختمَ العامَ بصيامٍ، وبعضُهم يختمه بدعاءٍ خاص، وبعضهم يخصصه لمحاسبةِ نفسِه معتقداً مشروعيةَ المحاسبةِ في هذا اليوم، وهذا كُلُّه لا دليلَ عليه، بل تخصيصهُ بصومٍ أو ذكرٍ أو دعاءٍ هو من جُملةِ البدع.
اللهم فقهنا في الدين، وأعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. وانصر عبادَك الموحدين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.