العنوان : الحث على استعمال الرفق واجتناب العنف (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المؤمنين، وتحلُّوا بمكارمِ الأخلاق، ومحاسنِ السجايا؛ يَكْمُلْ إيمانُكم، ويَثْقُلْ عند الله ميزانُكم، وتدنو من النبيِّ ﷺ في الجنة مجالِسُكُم، وإنّ مِن أّجَلِّ الأخلاقِ قَدْراً، ومِن أَعظَمِها نَفْعاً، ومن أكثرِها بَرَكة، خُلقُ الرفق، وهو اللِّيْنُ والسُّهولة، والسّماحةُ واللُّطْف، وما دار في فَلَكِ هذه الألفاظِ من المعاني.
وهو من أخلاق نبينا العظيمة التي مدحه الله بها فقال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فدلّت على رفقهِ ﷺ ولينهِ واجتنابهِ العُنفَ والفَظاظة.
والرِّفْقُ خُلُقٌ يحبّهُ الله فمن استعملهُ تقرباً إلى الله أحبه الله قال ﷺ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» متفق عليه.
وبالرفقِ تُنال المآرب، وتتحققُ _على أكمل الوجوه_ المطالب، لأنّ الذي بيدهِ مقاليدُ الأُمورِ جلّ وعلا يُعطي عبدَهُ إذا استعملَ الرفقَ ما لا يعطيهِ إذا استعملَ العنف قال ﷺ: “إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ” رواه مسلم.
لذلك كان من علامات إرادةِ اللهِ بالعبدِ خيراً أن يعطيَهُ الرفقَ، قال ﷺ “إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ ” رواه أحمد.
ولكثرة الخيراتِ البركاتِ في الرفقِ كان مَن أُعطي الرفقَ كأَنّما أُعطيَ الخيرَ كلَّه ومن حُرِمَ الرفقَ كأنّما حُرِمَ الخيرَ كلَّه قال ﷺ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ» رواه مسلم.
ومن استعملَ الرفقَ في أمورهِ صلَحتْ وزانتْ عاجلاً وآجلاً، ومن استعمل العنف في أموره فسدَتْ وشانتْ عاجلاً وآجلاً قال ﷺ «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» رواه مسلم.
ولْيعلمْ المسلمُ أنّ نفعَ الرفقِ لا يقتصرُ على الدنيا بل هو ينفعُ العبدَ في دنياه وفي أُخراه، قال ﷺ «إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رواه أحمد. اللهم ارزقنا الرفقَ وزيّنا به، واعطنا عليه خيرَ الدنيا والآخرة، وجنّبنا العنفَ واصرفنا عنه، ولا تَحرِمنا خيرَ ما عندكَ بشرِّ ما عندَنا، إنك سميعُ الدعاءِ، أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فاتقوا اللهَ تعالى وأطيعوه، واشكروا نِعَمَهُ ولا تكفروه، وأنيبوا إليه واستغفروه.
عباد الله:
إن مجالاتِ استعمالاتِ الرفقِ لا تُحصى، فمنها استعمالُ الرفقِ مع النفسِ في العبادةِ، فإن مَن شَقَّ على نفسهِ في نوافلِ الطاعاتِ مشقةً بالغةً أوشكَ أن يَملَّها ويدَعَها.
ومنها استعمالُ الرفقِ مع الأهلِ بالعِشرةِ بالمعروف، ولِيْنِ الجانبِ، والسخاءِ والكرمِ، وطلاقةِ الوجه.
ومنها استعمالُ الرفقِ في الإنفاق، فإنَّ الإسرافَ والتبذيرَ، والمبالغةَ في الرفاهية، وتقليدَ الآخَرينَ ومجاراةِ الموسرين، لا سيما في الحفلاتِ والمناسباتِ ليس من الرفقِ في شيء.
ومنها استعمالُ الرفقِ في التعليمِ والنصحِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر.
ومن مجالاتِ الرفقِ الرفقُ بالعمالِ والخَدَمِ ذكوراً وإناثاً، وذلك بعدمِ تكليفِهم فوقَ طاقتِهم، وبمساعدتِهم عند تكليفِهم بما فيه مشقة، وكذلك بعدمِ تعريضِهم للعملِ في شدةِ الحرِّ أو شدةِ البرد.
ومن مجالات الرفق، الرفقُ بالحيواناتِ، برحمتِها والإحسانِ إليها، دونَ إفراطٍ ولا تفريط، فمِنَ الناسِ اليومَ من يُسيءُ إليها إساءةً بالغة حتى ربما أحرقها حيّةً، ومنهم من يبالغ في العناية بها تقليداً لعاداتِ الكُفار فترى بعضَهم يشترون الكلابَ والقِططَ -وثمنُها حرام- وينفقون على طعامِها وشرابِها وزينَتها الأموالَ الطائلة، تقليداً لفلانٍ وفلانة. نسأل الله الهداية للجميع.
اللهم أَعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم وفّقْ إمامَنا ووليَّ عهدهِ لما فيه رضاك، واجعلْ عملهم موافقاً لهُداك، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا سميع الدعاء، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.