جديد الإعلانات :

العنوان : خشية الله بالغيب خطبة مكتوبة

عدد الزيارات : 5659

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وراقبوه، وخافوا منه واخشوه، واعلموا أن الخوف من الله عبادة واجبة، قال تعالى (‌وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال تعالى ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ ‌وَاخْشَوْنِ﴾ والمقصود من الخوف والخشية ما يكفُّك عن فعل المعاصي، وما يدفعك إلى فعل الواجبات سواء كنتَ في سرٍّ أو علنٍ في غيب أم في شهادة، خالياً بنفسك أو مع غيرك، قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْخَشْيَةُ هِيَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ” وهي “خلاصة العلم والإيمان” كما قال ابن كثر.

عباد الله:

لقد أثنى الله ورسوله ﷺ على أهل الخشية والخوف منه في سرهم حيث لا يطلع عليهم أحد إلا الله، ووعدهم على هذه الخشية بالأجر الكريم، والثواب الكبير، ومغفرة الذنوب والسيئات، والفوز بالجنات، والتمتع فيها بما شاؤوا من صنوف الملذات، قال تعالى (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ ‌بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) وقال تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ ‌بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)

وأثنى النبي ﷺ على من خاف ربه في الغيب فتقرب إليه بما يحب حيث لا يراه أحد غيره، قال ﷺ : «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ” ثم قال ” وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ‌ذَكَرَ ‌اللهَ ‌خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» رواه الشيخان.

وقال عقبة بن عبد الغافر -أحد التابعين-: إذا عمل العبدُ عملًا ‌في ‌السر عملاً حسنًا، ثم عمل في العلانية مثله، قال الله عز وجل: هذا عبدي حقًا حقًا» وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «”إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى فِي الْعَلَانِيَةِ فَأَحْسَنَ، وَصَلَّى ‌فِي ‌السِّرِّ فَأَحْسَنَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَذَا عَبْدِي حَقّاً» رواه ابن ماجه بسند ضعيف.

إخوة الإيمان:

إن من الأسباب المعينة على خشية الله تعالى ومراقبته في السر والعلانيه العلمَ بالله تعالى، ومنه العلمُ بقربه واطلاعِه على عبده فمن علم أن ربه معه وقريب منه خاف منه واستحيا قال تعالى ذاماً من يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ‌وَلَا ‌يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)

ومن الأسباب المعينة على خشية الله قوة اليقين بعظمِ ثوابه، وشدة انتقامه، واستذكار نعمه وآلائه، فمن تذكر عظم الثواب على فعل الطاعات، وشدة العقاب على المعاصي والسيئات، وتَواليْ نِعَمِ الله عليه في أجزاء اللحَظات، أُعِيْنَ على الخوفِ من الله في السر والخلوات.

ولذلك كلما كان العبدُ أعلمَ بالله كان أخشى له قال تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وليس المقصود بالعلم كثرةَ المعلومات وإنما القصد العلم النافع الذي يورث القلب الإنابة والخشية والخوف من الله والوقوف عند حدوده.

جعلني الله وإياكم من المتقين، الخائفين الراجين، المراقبين له في السر والعلانية، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي وعد أهل خشيته بالأجر الكبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرُ بشيرٍ ونذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله تعالى يبتلي عباده ويختبرهم حتى يتبين أهل الإيمان الصادق المتين، وأهل النفاق أو الإيمانِ الضعيف قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ ‌يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فعلى المسلم أن يستعين بالله وأن يستعين بالصبر عند القدرة على المعصية حتى يكف نفسه عنها ولا يقع في مستنقعها، وقد فُتحت أبواب معاصي الخلوات المرئية والمسموعة على مصراعيها من خلال الهواتف الحديثة ونحوها، فأضعفت الإيمان، وأمرضت القلوب، وأفسدت الأخلاق، ولا عاصم من فتنتها بعد توفيق الله إلا الإيمانُ واليقينُ بمعية الله ومراقبته واطلاعه، وتذكرُ الوقوف بين يديه، والحياءُ منه أن تجعله أهون الناظرين إليك.

اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا ‌مِنْ ‌خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أمّن حدودنا، وانصر جنودنا، اللهم احفظ علينا ديننا وأخلاقنا وحياءنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *