العنوان : حرمة الأنفس، والحث على المحافظة عليها، والإبلاغ عن الآبار المكشوفة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق تقاته، وسارعوا إلى أسباب رحمته ومرضاته، واتبعوا ما أنزل في محكم آياته، فإن الكريم عند الله من اتقى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} والسعيدَ يوم القيامة من اتبع الهدى {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}
معاشر المؤمنين: إن الله تعالى هو خالق الأنفس كلها، والمتصرف فيها بقضائه وقدره، والمتصرف فيها أمراً ونهياً بشرعه،
والنفس من عجائب خلق الله وقد أقسم الله بها فقال تعالى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فلْيسْعَ كلٌّ منا إلى الفلاح والفوز بتزكية نفسه بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي والسيئات، ولنحذر من الخيبة والخسران بدسِّ الأنفس تحت قاذورات الشرك والبدع والمعاصي، قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} اللهم آت أنفسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
عباد الله: إن الله تعالى خالقُ أنفسنا وخالقُ الأنفس كلها أمرنا بالمحافظة عليها واجتناب العدوان عليها،
لذلك لا يجوز تعمدُ إلحاق الإنسان الضررَ بنفسه إلا بما أذن فيه الشارع الحكيم جلّ وعلا، فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه، ولا أن يتلف عضواً من أعضائه ولا منفعة من منافعها التي أكرمه الله بها قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} وقال تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
وإذا نهي الإنسان عن قتل نفسه وعن إلحاق الضرر والأذى بها فكذلك جاء النهي عن العدوان على غيره بغير حق، قال تعالى ناهياً عن قتل الأنفس عموماً بغير حق { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وقال تعالى متوعداً على قتل المسلم بخصوصه بغير حق {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وتوعد النبي ﷺ المسلم الذي يقتل كافراً بغير حق فقال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» _أي مَن قتله من غير جُرمٍ يستحق به القتل شرعاً_
بل قررت شريعتنا حرمة أنفس غير الآدميين فنهى النبي ﷺ عن قتل العصفور لغير قصد أكله، ونهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصُرَد _نوع من الطيور_، وعن قتل الضفدع، وأما الدواب التي أَمر بقتلها فالسبب في ذلك أنها كثيرة الأذى والضرر والعدوان كالحية والعقرب والفأر ونحوها.
فعلى المسلم أن يحافظ على نفسه وعلى نفوس غيره، وأن يجتنب الأذى والعدوان، والضرر والإضرار بغير وجه حق، فالمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. جعلني الله وإياكم من أهل الإيمان والإسلام حقاً وصدقاً، إنه سميع الدعاء، أقول هذ القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حق حمده، وأشكره حق شكره، فكل نعمة من عنده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
عباد الله: كما أن المسلم يجتنب تعمد قصد العدوان على الأنفس بغير وجه حق، فكذلك هو يتجنب الأسباب التي تهلك الأنفس أو تلحقُ بها الضرر.
فعلينا مراعاةَ الأنظمة والقوانين الصادرة من الدولة أيدها الله التي يراد بها الحفاظ على الأرواح والأموال والمنافع العامة والخاصة، كقوانين قيادة السيارة، فكلنا يعلم أن المخالفات المرورية كثيراً ما تؤدي إلى وفيات شنيعة، أو عاهات مستديمة، أو مصائب كبيرة نسأل الله العافية لنا ولكم.
وهكذا مخالفة أسباب السلامة في التعامل مع الكهرباء أو الغاز، فكم ذهبت من أرواح وأسر بسبب الإهمال والتساهل فيها.
وهكذا ما يتعلق بحفر الآبار وتركها مكشوفة، فكم ابتلعت من صغار وكبار ودواب، ذهبوا ضحية إهمال وعدم مبالاة، أو تسويف في ردمها أو تغطيتها. فعلينا الأخذ بأسباب السلامة، والتعاون على دفع الأذى وإماطته، وتبليغ الجهات المختصة عن مصادر الخطر التي تهدد الأرواح والسلامة، في الطرق أو المزارع أو الأسواق أو غيرها. حتى تُعالجَ المشكلات قبل حدوث المكروه، فما أحسن التعاونَ على الخير، وتنميةَ روح المسؤولية في نفوس الجميع، لا سيما في نفوس الناشئة والشباب، فجِدُّوا في هذا واجتهدوا {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم وفّق إمامَنا ووليَّ عهدهِ لما فيه رضاك، واجعلْ عملهم موافقاً لهُداك، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا سميع الدعاء، اللَّهُمَّ أَمِّنْ حُدودَنَا، وَاُنْصُرْ جُنُودَنَا، وَادْحَرْ عَدُوَّنَا مِنَ الحوثيين وَأَعْوَانِهِمْ، وَاِهْزِمْهُمْ شرَّ هزيمةٍ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزِ. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.