العنوان : الحث على التفاؤل خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا الله في السر والعلن، وأصلحوا ما ظهر من أعمالكم وما بطن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
عباد الله: حديثنا اليومَ عن التفاؤل. ومعنى التفاؤل توقُّعُ حصولِ الخير في المستقبل، وهو من الصفات الحميدة، والخلال الجميلة، هو من صفات أهل الإيمان الذين حسنت بربهم ظنونهم، وعظم بوعده يقينهم، واتسعت بمعاني أسمائه وصفاته علومهم.
وهو من صفات المقتدين بالنبي ﷺ، فما أكثرَ التفاؤلَ في سنته وسيرته عليه الصلاة والسلام.
عباد الله:كيف لا يتفاءل المؤمنُ بالخير ولو كان في أصعب الظروف وهو يقرأ قوله تعالى{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وقوله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} فهل أحد أصدق قولاً من الله؟ وهل أحد أوفى بوعده من الله؟ لا والله.
عباد الله: كيف لا يتفاءل المؤمن بالخير من الله، وهو قد فوض أمره إليه وتوكل عليه، وقد قال الله في خمس آيات من كتابه {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} أي من توكل الله على الله كفاه من الله من كل شيء، فماذا يريد المسلم أكثر من ذلك ليكون متفائلاً، حَسنَ الظن بربه؟!
عباد الله: كان النبي ﷺ متفائلاً في نفسه، وكان يشيع روح التفاؤل في قلوب من حوله، فكان يقول عن نفسه ﷺ “يعجبني الفأل” ويقول عنه أصحابه “كان يعجبه الفأل الحسن” ومن تفاؤله أنه يسمع الكلمة الطيبة فيستبشر بها، ويظن أن الله قدّر له في المستقبل خيراً كثيراً، فمن مواقف تفاؤله أنه لما اشتدت المفاوضات بينه وبين قريش في الحديبية وكادت تصل إلى طريق مسدود أرسلت قريش مندوبا لها يفاوض النبي ﷺ اسمه سهيل فلما سمع النبي ﷺ باسمه تفاءل وقال “سَهُلَ أَمرُكُم”، وذلك الذي كان.
ومن صور تفاؤله ﷺ وإشاعته روح التفاؤل في غيره أنه أتته طفلة صغيرة مع أبيها، وهي تلبس قميصاً أصفر، وقد ظهر إعجابها بقميصها فأخذ النبي ﷺ يمدح قميصها ويقول (سَنَهْ سَنَهْ) أي قميصك حسنٌ جميل، قميصك حسنٌ جميل، ثم قال “أَبْلِي وأَخْلِقِي، أَبْلِي وأَخْلِقِي، أَبْلِي وأَخْلِقِي”
أي عيشي حياة طويلة تلبسين فيها الجديد حتى يبلى، ثم الجديد حتى يبلى..وفي رواية للحديث أنه قال لها “سنهْ يا أمَّ خالد” فانظر كيف أدخل على الطفلة البهجة والسرور بمدحه لقميصها، ثم أدخل البهجة عليها وعلى والدها وأهلها حين تفاءل لها ﷺ بالحياة الطويلة، و تفاءل لها أن تتزوج وتنجب خالداً، وقد صدّق اللهُ ظنَّ نبيه ﷺ فعاشت حياة طويلة وأنجبتْ أولاداً أحدُهم خالد، وهو الذي حدّث عنها بهذه القصة.ومن صور تفاؤله ﷺ أنه كان يعود المريض فيتفاءل له بالسلامة ويقول له “طهور إن شاء الله” أي أمامك الشفاء من مرضك والغفران لذنبك. وكان من هديه ﷺ أنه كان يبشر أصحابه بالأمن في زمن الخوف، وبالغنى في زمن الفقر، وبالنصر والعز في زمن القهر والضعف، ليمحو ظلمة التشاؤم بنور التفاؤل، وليسد أبواب سوء الظن بالله بفتح أبواب حسن الظن بالله، فقد أتاه خبّاب رضي الله عنه وهو أحد المستضعفين الذين عُذّبوا في مكة على الإسلام عذاباً شديداً فقال له: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لنا؟ فقال له فيما قال: «وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»، فبشّر النبيُّ ﷺ خباباً ومن معه وهم في تلك الحالِ الشديدة من الخوف والهوان بظهور الإسلام، وانتشاره في الآفاق؛ حتى يسافر المسلم من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف عدوان مشرك ولا أذاه.
ومن شواهد ذلك أيضأ أن عَديَّ بن حاتم رضي الله عنه كان مرةً جالساً بجواره ﷺ فجاء رجل فاشتكى إلى رسول الله ﷺ الفقر ثم جاء آخر واشتكى الخوف وقُطّاعَ الطريق فالتفتَ النبيُّ ﷺ إلى عَدي وقال «إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ _يعني المرأة_ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، _أي من العراق_ حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى»، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: ” كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ” أي من وفرة المال في أيدي الناس. وقد رأى عَدِيٌّ الأولى والثانية وقال لجلسائه ما معناه”إن طالت بكم حياة فسترون الثالثة”
ولا ننسى _أيها الإخوة- قول النبي ﷺ لأبي بكر وهما في الغار خائفيَن طريديَن يحيطهما العدو من كل جانب «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» فجاء الله بالفرج العظيم وبالنصر المبين، والحمد لله رب العالمين. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفَّقنا لاتباع هدي سيد الأنام، أحمده -سبحانه- وأشكره، ما تعاقَبت الليالي والأيام، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا في تربيتكم لأولادكم، وفي أحاديثكم مع جلسائكم، على بعث الهمم إلى الخير، وإشاعةِ روحِ التفاؤل، وشحذِ العزائم للبناء والإصلاح، والحذرَ الحذرَ من الروح التشاؤمية، التي تغلق أبواب الرجاء في فضل الله وجُودِه، وتغلقُ أبوابَ الرجاء في هدايته وإصلاحه، وتغلقُ أبواب الرجاء في نصر الله وتأييده.
إنّ على من غلَبَ تشاؤُمه حُسنَ ظنه فيئس من صلاح الناس وحكم عليهم بالهلاك أن يتذكر قوله ﷺ (من قال هلك الناس فهو أهلكهم).
وعلى من غلب تشاؤمه حسن ظنه فثبّط الآخرين عن السعي في طلب الرزق أو القيام بعمل نافع مثمر تشاؤماً وسوءَ ظنٍ بالله أن يتذكر قوله ﷺ “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها” فهل سمعتم أبلغ من هذا الحديث في الحث على فعل الخير مع بثّ روح التفاؤل؟!.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر واجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلوى عافية، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك ومتعه بالصحة والعافية يا رب العالمين، اللهم وفق ولي عهده الأمير محمد بن سلمان واجعل عمله في رضاك وانصر به دينك وسنة نبيك ﷺ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.