العنوان : نجاح حج 1442هـ والحمد لله. خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى؛ فمن اتقى الله كرُم عند الله، فغفر له ذنبه، وفرّج كربه، ويسّر أمره، وأعظم أجره، ورزقه من حيث لا يحتسب، وأدخله الجنة قال تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وقال تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب” وقال تعالى “ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا” وقال تعالى “ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا” وقال تعالى “إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر” فهنيئاً للمتقين، ما أطيب حياتهم، وما أسعد قلوبهم، وما أحسن عاقبتهم في الأمور كلها، جعلني الله وإياكم من المتقين.
إخوة الإيمان:
إننا ونحن نودع موسمِ حج فريد من نوعه يجيء في ظروف عسيرة بسبب جائحة الوباء العالمية ثم ينتهي بسلام وأمان في سلاسة ويسر، ودون إصابات بالمرض ولا وفيات منه بين وفود الحجيج لنستشعر أنها نعمة كبيرة تستوجب منا الشكر، فبالشكر تدوم النعم وتزداد قال تعالى “وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد”
وكل من تصور ما كان عليه الحج من قبل ثم قارنه بما عليه الحج اليوم استشعر عظم نعمة الله على عباده عامة وعلى الحجيج خاصة، فقد كانت قوافل الحجيج تتعرض لعدوان غاشم على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، حتى سجل التاريخ إبادةَ قوافل َكاملة لم يسلم منهم أحد أو لم يكد.
وقد تشتد المخاوف أو تشتعل الاضطرابات السياسية الأمنية في داخل البقاع المقدسة في بعض السنوات فتمنع الحجيج كلهم من الوقوف بعرفة حتى يسجل المؤرخ ون بحسرة وألم أنه في عام كذا وكذا لم يحج أحد والله المستعان.
وكان أعداء أهل السنة في عهود مضت يستغلون جمع الحجيج في مكة ليرووا ظمأهم وتعطشهم إلى دماء الموحدين فيباغتون الحجيج في حرم الله وبيته فيفتكون بهم فتكاً ذريعاً، ولم يبالغ التاريخ فيما كتب فها نحن نرى أحفادهم اليوم وهم يحاولون جاهدين إلحاق الأذى ببيت الله وضيوف بيته ليل نهار عبر صواريخهم ومُسيّراتهم ومؤامراتهم، ولكن من سخّر الطير الأبابيل لصد أبرهة في الماضي قد سخر آل سعود وجنودهم في هذا العصر لحمايته والحمد لله رب العالمين.
وكان الحرمان الشريفان يتعرضان في سنينَ خلت إلى إهمال كبير وتلاعب خطير من قبل المتحكمين في شؤونهما لإفساد الدين، أو للتربح والتكسب، فكان أحد خطباء المسجد النبوي إذا فرغ من خطبته الأولى لا يقوم للخطبة الثانية حتى يجمع له المصلون ما يرضيه من المال والمتاع والعياذ بالله.
وأرسل أحد المتسلطين الجبابرة جنوده يضربون أرجل الحجيج في المسعى بحد سيوفهم إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية والذكر والتكبير.
وبلغ الإهمال وغض الطرف عن المفسدين أن صار الطريق بين الحرم وجبل النور مخوفاً قد يتعرض الحاج فيه إلى العدوان على نفسه أو ماله ولهذا كانوا يوصون بالذهاب الجماعي، وبحمل السلاح الكافي.
ومن المخاطر المهلكة التي كان يتعرض لها الحجيج العطش الشديد إما لشح المياه أو لترصد المتربصين لهم على الآبار فلا يمكّنونهم من الماء إلا بمبالغ باهضة فلا يكون أمامهم إلا بذلُ قدرٍ كبير من أموالهم ظلما وعدوانا أو الموت عطشاً.
ومن المخاطر التي كان يتعرض لها الحجيج الأوبئة المعدية التي تفتك بأرواح أعداد كبيرة لا سيما في أيام منى حتى كان الناس في عدد من السنوات يمشون فيتعثرون بالجثث، فتتحول أيام منى من أيام عيد وفرح وسرور إلى أيام حزن وغم وكدر كما يقول بعض من عاصر تلك السنين.
ومن مظاهر الخذلان المقيتة التي كان يلقاها الحجاج أن جنود الدولة النظاميين في عهود مضت كانوا يرون العدوان على الحجيج أمام أعينهم فلا يردعون ظالماً، ولا ينصرون مظلوماً، ولا يغيثون ملهوفاً، ولا يحركون ساكناً، وكأنّ الأمر لا يعنيهم في شيء.
أيها الإخوة:
هذه لمحة خاطفة عن بعض ما كانت عليه رحلة الحج في الماضي البعيد وإلى عهد قريب، والحكمة من إيرادها أن نقارن بين الحالين، بين ما سجله التاريخ بأقلام العلماء والمؤرخين والرحالة وغيرهم وبين ما نراه اليوم من الحال التي عليها الحرمان الشريفان من العناية والرعاية والتوقير والاهتمام، وكذلك الحال التي عليها الحج والحجاج من الأمن والرخاء والتسهيل والتيسير، والفضل لله أولاً وآخراً ثم لولاة أمر هذه البلاد، رحم الله أمواتهم، ووفق وحفظ أحياءهم. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها المؤمنون {اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
أما بعد.
إخوة الإيمان: إن نجاح الحج في هذا العام نعمة عظيمة وله أهمية بالغة للأسباب التالية:
أولاً: أن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام فنجاحه يسر المحبين لدينهم، المعظمين لشعائر ربهم المستشعرين أخوّة الإيمان فيفرحون للحجيج بما حصل لهم من التوفيق والتيسير كما يفرحون لأنفسهم.
ثانياً: أن الحج في هذا العام يأتي في ظروف حرجة بسبب انتشار كورونا وتحوراته فنجاحه وخلوه من الجائحة فضل من الله (والله ذو الفضل العظيم).
ثالثاً: أن في نجاح الحج فرحاً وسرورا وانتصاراً لهذه الدولة ولمحبيها من عموم المسلمين، وفيه إغاظةً لأعداء دين الإسلام وأعداء التوحيد والسنة وكل حاقد على هذه البلاد قيادةً وشعبا، وعقيدةً ومنهجاً، فإنهم لم يدخروا وسعاً ولم يألوا جهداً في التشكيك في جهود الدولة السعودية وفي قدرتها على قيادة الحج في زمن الوباء.
أيها الإخوة: إن الحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والعمار والزوار محلُّ اهتمام عظيم من قيادة المملكة العربية السعودية من عهد الملك المؤسس إلى هذا العهد الكريم عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله ورعاهما، وما كان تثبيتُ الأمن وعمارةُ الحرمين وإنشاءُ المشاريع العملاقة لتيسير الحج، ما كان ذلك ليتحقق ويرى النور بعد فضل الله وتوفيقه لولا حرص القيادة وعنايتها واستشعارها المسؤولية أمام الله وأمام المسلمين.
وإذا قلنا إن شكر الله تعالى واجب متعين فإنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس -كما في الحديث- فمن شُكرِ اللهِ تعالى شكرُ ولاة الأمور والدعاءُ لهم والإشادةُ بمنجزاتهم، جزاهم الله عنا وعن الإسلام وأهله خير الجزاء.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمةِ المهداة والنّعمة المسداة محمَّد بن عبد الله اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ، أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ والمــُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والمـُـشْركِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّيْنِ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنَاً مُطْمَئِنَّاً رَخَاءً سَخًاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المـُـسْلِمِيْنَ. اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَولي عهده وَأَعْوَانَهُ، لِمَا فِيْهِ خير للبلاد والعِبَادِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ جَمِيعَ وُلَاةِ أُمُوْرِ المُسْلِمِينَ لِتَحْكِيْمِ شَرْعِكَ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاجْعَلْهُمْ رَحْمَةً عَلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُوْدَنَا المـُـــرَابِطِيْنَ عَلَى حُدُوْدِ بِلَادِنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ.
اللَّهُمَّ انْشُرِ الأَمْنَ وَالرَّخَاءَ فِي بِلَادِنَا وَبِلَادِ المُسلِمِينَ، وَاكْفِنَا شَرَّ الأَشرَارِ، وَكَيدَ الفُجَّارِ، وَشَرَّ طَوَارِقِ الَّليلِ وَالنَّهَارِ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المــُـرْسَلِيْنَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ )